قراءة متوترة في مسمار حكمت حسن
…………………………..
تلفت انتباه القارىء في ديوان الشاعرة حكمت حسن ( مسمار ) عنواين القصائد التي نبتت من قسوة عنوان الغلاف ، اشارة منها جميعا لحجم التماسك الذي نحتاجه لمواجهة الألم الذي نكابده في تجربة الحياة ، ومن هذه العناوين: تداع ، حاجز ، مساحات صخرية ، جاذبية ، ذنب ، رمح ، صراخ ، حجارة ، من دون رماد وفناء .
ينطلق القارىء في رحلة صراع بين الروح والمادة في قصيدة جاذبية حيث تبدو الآثار مؤقتة ، ليتحقق السقوط القسري والإرغامي في قصيدة خصب لأن الحب ممر الجسد إلى الجسد ولكن عبر العينين في زائر ، إذ نضطر إلى التواري من مطاردنا الشرس وهادم اللذات في ذئب ، حيث يواري الرمز في قصائدها خلف تكثفه دمع العشق وقتلاه ، تحت مساحات صخرية كلما تهاوت قيمة الجمال أمام جمادية حجر لا يتأثر بإيقاع الحياة ولا يبالي بتهالك الرقة والعذوبة أمام جموديته ، و خلف ضباب تتجلى جمالياته باختراقات شعاع الأمل الأحمر المبشر بالحياة ، على الرغم من أن ظلالنا المادية تتلاشى في أبعاد الواقع ، ليجتمع الليل والنار والزمن في صدى ، عندما يتراكم الشوق ، ليبدو اتحاد الاجساد محسوسا ماديا لا يمكن إدراك كنهه إلا بالتسامي والنقاء.
ويحتم علينا الدخول في توأمة الروح انفصالا ينسلخ عن الوجع ويتفتق عن عصب الإنسان ، لتلاقى فكرة الاتحاد الكونية عبر الدخول في نجم خاص بكل منا نحن القراء ، ليصبح الاصرار على العيش وقوفا ابرز حالات الولوج في متعة صافية ، كلما تراكمت علينا ضريبة الدم التي ندفعها جراء أيغال مسامير الحقيقة في جغرافيا الوجع اليومي .
ليظل التوحد خطا رقيقا يمسك بكل نواصي القصائد في مسمار ، حيث تنكشف رغبة عن حاجة العودة إلى البدء ، إلى مواطن حارسة الماء الأولى التي تمطر قصائدها على حقول الجراح الممزقة بالجفاف ، إذ لا جدوى من حياة إنسانها الدخان عبر كلام يتسرب من لاشيء في اللاشيء ، لنفتقد غيبيات كانت تبدو فيه .
هناك يسابق الألم فرح الطفولة مع تكور الأحلام مساحات يد في قرار ، بعد أن يجثم الوقت على الروح خفة ، و يحضر الحب فجرا في صراخ ليلكي ، وقد غادرنا زمن الولادة الثقيل ، فيحاصر دمع ولوعة تلك اللقاءات بالرحيل .
ويطل أيلول بتحطم كل الولادات الخضراء ويتوارى الحب في ضياع الأعمار ، أثناء مسيرنا الثقيل بين السماء وترابيتنا كلما مضينا في التهام الأنفس ..
وعلى الرغم من مقاومة إرادة البحث عن خلاص ، لا تنضج الحياة إلا تحت تراكمات التهديد اليومي بالموت ، ليظل خيط الأمل متشابكا بأصابعنا كلما تراكمت فينا انهيارات ، فتنتصب خطوط دفاع في رصاصات إعدام تخترق جسد ريحانة جباري التي اغتالت غدا أقصت فيه عنها أمسها المقتول ، وقد تجرعت فيه طعم خسارتها بري المذاق ، مفضلة نقص التكامل على اتمام المهانة ؛ التي تتجرعها من مياه نار تظل تلتهم إبراهيم ما بقيت النار وما بقي عطشه المبلل بغير الماء ، ليظل اتحاد الفكر أعظم لقاءات الأجساد المسكون بالروح.
ونكتشف في مسمار أن بقايا الجراح ندوبا في جسد مجفف من الروح ، إلا أنها أوشام تميز روح حكمت حسن المعبدة بالحب والسلام والنقاء ، فكلما تهدم منها قلب أشادت مكانه عرشا من البخور تظلله بعرائش من خيال ، لتكمل مسيرتها عبر النور محملة بالنسائم تتتبع آثار الحياة صوب ولادات لا متناهية ، وتستأنس الوقوف على جناح فزاعة الطيور ، بانتظار الشبه الحقيقي الذي يحقق اكتمالها الأبدي .
تحياتي لكم وألف شكر