الجزء العاشر، من المقال النقدي للكاتبة والناقدة الدكتورة مفيدة الجلاصي حول
“خصائص المنهج النقدي عند طه حسين” من خلال “حديث الاربعاء :
لقد سعى” طه حسين ” وبعيدا عن تلك المناهج العقيمة في دراسة الأدب إلى الاجتهاد ما استطاع عازما على إصلاح ما فسد في الحياة الفكرية العربية انذاك فاشار إلى إفلاس مدرسي الأدب وتساءل متعجبا فقال” وكيف، تتصور أستاذا للادب العربي لم يلم ولا ينتظر أن يلم بلغة أجنبية ولا بأدب اجنبي ولا بمنهج من مناهج البحث عن حياة اللغة وأطوار الأدب؟! وكيف تتصور أستاذا للأدب العربي لا يلم ولا ينتظر ان يلم بما انتهى إليه الفرنج من النتائج العلمية حين درسوا تاريخ الشرق وآدابه ولغاته المختلفة ؟! ” (طه حسين” في الأدب الجاهلي ” دار المعارف بمصر، ط 5 ص 16)
وقد اتضح لنا بما لا يدع مجالا للشك من تساؤلاته وتعجبه انه قد قدم الحل الذي يخلصنا مما أسماه
” بالافلاس الأدبي والفكري ” ولقد ورد لفظ الإفلاس في العديد من المواطن من مؤلفاته ليؤكد على عقم الفكر، الأدبي في المجتمع العربي في عصره (انظر مثلا “حديث، الاربعاء ج 3 ص 49) فرأى ان الإصلاح يقتضي من دارس، الأدب” اتقان اللغات السامية وآدابها وإتقان اللغتين اليونانية واللاتينية وآدابهما وإتقان اللغات الإسلامية وآدابها ثم إتقان اللغات الأوروبية الحديثة وآدابها “( في الأدب الجاهلي ص/ص 27/28)
ان هذه السبل التي وضعها “طه حسين” لإصلاح الحياة الأدبية والفكرية العربية جعلته يعلن انه قد سلك في البحث” مسلك المحدثين من أصحاب العلم والفلسفة، فيما يتناولون من العلم والفلسفة أريد أن اصطنع في الأدب هذا المنهج الفلسفي الذي استحدثه” ديكارت ” للبحث،عن حقائق الأشياء، في أول هذا العصر، الحديث، والناس، يعلمون أن القاعدة الأساسية لهذا المنهج هي أن يتجرد الباحث من كل شيء كان يعلمه من قبل وأن يستقبل موضوع بحثه خالي الذهن مما قيل فيه خلوا تاما”
لقد سعى” طه حسين ” إلى التحرر من تلك الأهواء القومية، أو السياسية أو العاطفية او الدينية ليصل ببحثه العلمي إلى نتائج لم يصل القدماء لأنه سلك منهجا فكريا في البحث أساسه الشك وعدم التسليم بنصوص اختلف الرواة في نقدها ومن هذا المنطلق كان يعلن باستمرار ما يتوصل اليه من نتائج بنقد صادق لذا صرح قائلا :” أريد أن أقول رأيي في صراحة لا سبيل فيها للغموض والالتواء” ( حديث الاربعاء ج 3 صص 148/149) فعلى أساس هذا النقد كما رأى أستطاع مؤرخو الآداب اليونانية ان “يفرقوا بين فصول” الالياذة ” وأناشيدها المختلفة فما كان منها محالا مفعما بالمبالغات أضافوه إلى شاعر ضعيف قليل الحيلة وما كان منها معقولا أو كالمعقول لا يلتمس اللذة الفنية في الإحالة والاغراق أضافوه إلى شاعر، بارع واسع الحيلة” ( حديث الاربعاء ج 1ص 181) لقد وجد” طه حسين “في،المنهج الديكارتي من الخصوبة في العلم والفلسفة والأدب ما يعادل” الخصوبة في الأخلاق والحياة الإجتماعية “( في، الأدب الجاهلي صص 69/70) غير، انه مع ذلك لا يريد أن يتخذ، الشك، والانكار هدفا لذاته بل هو قد اعتمدهما عن إدراك علمي عقلي فتدلرك قائلا :
” ولكن الشك والانكار عقيمان بطبعما وليس، من الخير ان ينتهي عندهما الباحث إلا إذا اضطر إلى ذلك اضطرارا “( حديث الاربعاء ج 1ص 181)
(يتبع)
# ( الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي)