كتب الدكتور وجيه فانوس في جريدة ” اللواء ” اللبنانية :
الدكتور أحمد أبو حاقَّة (1929-2011) أستاذ جيل ومنارة علم وإشراقة ثقافة (في الذكرى العشرين لوفاته) ـــ 2
ما عرفَ الأستاذُ الدكتور «أحمد أبو حاقَّة»، في سنواتِ عُمرهِ الاثنَتَيْنِ والثَّمانين، مِنْ حِرفَةٍ لَهُ يُعَبِّر فِيها عن وُجودِهِ ويَرْتَزقُ مِنَ القليلِ الشَّحيحِ الذي قد تَجودُ بهِ عطاءاتُ إداراتِها، إلاَّ أنْ يَكونَ أستاذاً للُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وآدابِها؛ ولطالما نَهَضَ بِنَفْسِهِ وبِمُريديهِ، معاً، إلى ذُرىً مِن قِمَمِ العطاءِ والبذْلِ، حيثُ آفاقُ العِلْمِ الواسعةُ وفضاءاتُ المعرفةِ الشَّاسعة. أمَّا أنا، فما أدركتُ مِنَ الدكتور «أحمد أبو حاقَّة»، طيلة الثَّلاثةَ والأربعينَ سنة التي رافقته فيها، من حياتِهِ العامَّةِ إلاَّ مثاليةَ الخُلُقِ الجميلِ في النَّظر إلى الحياةِ المُتَرَفِّعِ عن كلِّ دناءةٍ، والسَّاعي الدَّؤوبِ، في الوقت عينهِ، إلى التَّعاملِ النَّبيلِ مع بني الإنسان؛ وما أدركتُ، شخصِيَّاً، من حياتهِ الخاصَّةِ سوى ذلكَ الأب الرَّؤوم الذي يبني مع زوجه المربيَّةِ الفاضلةِ، السيِّدة «حياة قبَّاني»، أسرةً ما بَرِحَت تفخرُ بما تعلَّمته منهما وما وجَّها به أفرادها، لرفعةِ أفكارِهِم وسُموِّ تعاملهم الطيِّب مَعَ الآخرينَ وعظيمِ ارتباطِهِم القَيِّم بوطنهم.
امتلأتُ اعتِزازاً وفخراً، إذ شَرُفتُ بزمالةِ أستاذي الغالي الدكتور «أحمد أبو حاقَّة»، يوم عُدْتُ إلى الجامعةِ اللُّبنانيَّة للعملِ فيها، إثر تخرُّجي برتبة الدكتوراه، في جامعة أكسفورد البريطانيَّة. كانت متعةَ رائعةً لي أن استمرَّ في قبْسِ خبراتِ التَّدريس وامتلاك نواصي اللغة العربيَّةِ على يدِ هذا الكبير المعطاء. ولم يبخل عليَّ الدكتور أحمد، أبداً، بكلِّ ما كنتُ أحتاج إلى معرفته، أو إدراك سرٍّ من أسراره في علوم اللُغةِ وشؤون الأدب. كنتُ ابنهُ الأكاديميّ المُدَلل؛ كما كان يدور في أروقةِ الجامعة، وكما كنتُ أسمعُه من أحاديثي مَع زَوْجِهِ الرَّاقيَّةِ السيِّدة «حياة قبَّاني»، وأولادِه الكرام. وكانت المفاجأةً، حيت صار تعييني خلفاً له، مديراً لِكُلِيَّةِ الآداب والعلوم الإنسانيَّة، في الجامعة اللبنانيَّةِ، سنة 1986. وكانت فرحتي لا تُحَدُّ إبَّان وجودي مستشاراُ لرئيس الجامعة الإسلاميَّةِ في لبنان، ورئيساً لقسم الدِراسات العليا في كليَّة الآداب فيها، عندما كنتُ استضيفُ، بِكُلِّ سعادةٍ ومحبَّةٍ وفَخْرٍ، الأستاذ الدكتور أحمد أبو حاقَّة لتقديم بعض المحاضرات لطلاب الدِّراسات العُليا، أو لمناقشة أطروحة في الدكتوراه.
لقد كانَ لي، كذلك، شَرَفُ زمالةِ الأستاذ الدكتور «أحمد أبو حاقَّة»، طوالَ سَبْعٍ وعِشرينَ سنةٍ في رِحابِ «المركز الثقافي الإسلامي»؛ كان فيها، جميعها، أستاذَ جيلٍ ومنارةَ عِلْمٍ وإشراقَةَ ثقافةٍ؛ إذ كانت إطلالاته، مِنْ على منبر «المركز»، للمحاضرةِ أو لتقديمِ مُحاضِرٍ، موعداً يتهافتُ عليهِ أهلُّ الثَّقافة في لبنان؛ وكيفَ لا، وغالبيَّةُ هؤلاءِ مِن أصدقائِهِ وطلاَّبِهِ المخلصين ومِنْ مُريديه الطَّامحينَ إلى رَشْفِ مزيدٍ مِن عذبِ كلامِهِ والتَّفُكُّرِ بعميقِ طرحِهِ للقضايا وكيفيَّةِ معالجتِهِ لأُمورِها ومناقشتِهِ لِدقائِقِها. ولمْ يبخلْ الدكتور «أحمد أبو حاقَّة»، رحمهُ الله، يوماً بوقتٍ أو جهدٍ في سبيلِ «المركز الثَّقافيِّ الإسلاميِّ»؛ فكانَ «أميناً للشُّؤونِ الثَّقافيَّةِ» فيهِ لسنواتٍ عديدةٍ، وكانت محاضراتُهُ لا تغيبُ عن مواسِمِ «المركزِ» على الإطلاقِ؛ كما كانَ حضورُهُ في «المركزِ» سِمَةَ غِنىً وَوَعْيٍ، ما انفكَّ «المركَزُ» يَعْتَزُّ بهما ويَفْخَر.
ويبقى أن أتابع تحيَّتي العُجلى هذه، للكبير «أحمد أبو حاقَّة»، في هذه الذِّكرى العاشرة لوفاتهِ، بأن أشيرَ، ولو لِماماً، إلى أنَّه وُلِدَ في بلدة «بعاصير» مِن منطقة «إقليم الخرُّوب» في لبنان، سنة 1929؛ وبدأ تحصيلهُ العِلميّ الأوَّلي في مدرسة بلدته، إلى أنْ انتقل، سنة 1945، إلى العاصمة «بيروت»، ليلتحقَ فيها بـ «مدرسةِ حَوْضِ الولايةِ الرَّسميَّةِ»، التي تخرّج فيها حاملاً «شهادة الدِّراسة المتوسِّطة» (البريفيه) سنة 1948. التحقَ، إِثْرَ تخرُّجِهِ هذا، بـ «دار المُعَلِّمين والمُعلِّمات»، التي تخرَّج فيها سنة 1950 برتبة «مدرِّس»؛ وكان خلالَ هذهِ المرحلةِ قد نجحَ في الامتحاناتِ الرَّسميَّةِ لِنَيْلِ «شهادة البَكالوريا-القسم الأول»، بالدِّارسةِ على نَفْسِهِ؛ ثمَّ نال، بعد ذلكَ، شهادة «البكالوريا القسم الثَّاني-فلسفة» سنة 1950.
نجح، «أحمد أبو حاقَّة»، خلال هذه المرحلة من دراسته، في مباراة الدُّخول إلى «دار المُعلِّمين العُليا»، في «الجامعة اللُّبنانيَّة»، التي نال منها «الإجازة التَّعليميَّة» في اللغة العربيّة وآدابها، سنة 1954؛ كما حصَّل، منها، تالياً، شهادة «الكفاءة» في التَّعليمِ الثَّانوي، سنة 1955؛ وجرى تعيينه «أستاذاً للغَّة العربيَّة وآدابها» في «وزارة التَّربيَّة الوطنيَّة والفنون الجميلة».
شغلَ الأُستاذ «أحمد أبو حاقَّة»، مَنْصِبَ «رئيسِ قسم» اللُّغةِ العربيَّةِ وآدابِها، في «كليَّة التَّربية»، في «الجامعة اللَّبنانية»، الفرع الأوَّل، مِن سنة 1967 إلى سنة 1979؛ وعُيِّنَ «عميداً»، بالنِّيابةِ، لـ «كليَّة التَّربية»، في «الجامعة اللُّبنانيَّةِ»، من سنة 1976 إلى سنة 1978؛ وكانَ قدْ سبقَ وأحرزَ شهادةَ «الدكتوراه»، في اللُّغة العربيَّة وآدابها، في الجامعة اللبنانية في سنة 1972؛ ثمَّ نال شهادة «دكتوراه دولة»، في اللغة العربية وآدابِها، من الجامعة اليسوعيَّةِ سنة 1978. عيِّن، الأستاذ الدكتور «أحمد أبو حاقَّة»، مِن ثَمَّ، «مديراً» للفرع الأوَّل» من «كليَّة الآدابِ والعلومِ الإنسانيَّةِ» في «الجامعة اللُّبنانية»، من سنة 1981 إلى سنة 1988، مع ترؤُّسِهِ لقسم اللُّغة العربيَّة وآدابها في ذلك الفرع.
شُيِّعَ جثمانه، إلى مثواه الأخير، في بلدته «بعاصير»، يوم الاثنين، 18/4/2011.
< وضع عدداًمن المؤلفات والدراسات والكتب المدرسيَّة، منها:
< الشعر الملحمي ومظاهره في الأدب العربي، دار الشرق الجديد، بيروت، سنة 1960. طبع عدة طبعات.
< أبو فراس الحمداني، دار الشرق الجديد، سنة 1959. عدَّة طبعات.
< المديح في الشعر العربي، دار الشرق الجديد، بيروت، سنة 1961. عدَّة طبعات.
< المفيد في الأدب العربي، دار العلم للملايين، الجزء الأول، سنة 1964، الجزء الثاني سنة 1965. بالاشتراك مع عدد من الأساتذة والباحثين. صدرت الطبعة العشرون منه سنة 1996.
< الالتزام فى الشعر العربى، دار العلم للملايين، بيروت، 1979.
—————-
الدكتور وجيه فانوس / لبنان / رئيس المركز الثَّقافي الإسلامي