المقهورون في بلدي يستنجدون .. فهل من مغيث؟!
بقلم : د. ليلى شمس الدين
( باحثة في الأنثروبولوجيا والإعلام )
لم يكن هذا الصبح كغيره من الصباحات التي شهدتها منذ ثلاثين عاماً، مذ قطنت هذا الحي الذي أضحى جزءاً مني في كلّ تفاصيله. كان صباحي اليوم مختلفاً، بل أكثر من ذلك، كان حزيناً وصادماً في آن.
استفقت على صوتها، وفي الحقيقة ربما لم استفق، وإنّما أبحرت قسراً داخل حلمي، لكنّه لم يكن حلماً عادياً، كان أشبه بكابوس مزعج يعتريه الألم فيصارعني حتى كاد يصرعني. كابوس مؤلم اخترقته نغمات صوتها الشجية، المنسابة بين شفتيها الجافتين، وعينيها الحزينتين اللتين بلّلتا كلماتها برذاذ أوجاعها وأساها الذي شعرت به مع كل صرخة منها.
صحيح أنّني لم أرها، ولكن أنينها وجرح كلماتها، أشعراني بأنّها تعثّرت بحملٍ لم تقو على صدّه عنها، فجابت أكثر من شارع في أكثر من حي، تستجدي رحمة من هنا واستغاثة من هناك .. تردّد ما كانت تخبر به القاصي والداني .. الصاحي والغافي …. العارف والجاهل .. والسارق والمسروق على حد سواء ..
عجبت من نفسي، فهذه المرة لم يُغضبني صراخ أيقظني من نومي، أنا الراغبة في هدوء لا يؤرّق أقلّها أحلامي. هذه المرّة غضبت من سكوتٍ فاضت به علينا، لكنّه ما حرّك ضمائر غافلة لا زالت غافية قريرة العين مرتاحة بلا ضمير، مطمئنة حيث لا حسيب ولا رقيب.
خطواتها المتثاقلة وأنين حروفها المستجدية، أضاءت أمامي مشهداً مضطرباً، استجرّ خلفه رجالاً وأطفالاً، وشيوخاً ونساء، وعجائز ما فتئوا يتوسلون كسرةَ خبز أو حتى شربة ماء نظيف قدّموها على دواء أو تدفئة أو أمن وأمان ..
لحظات قليلة مرّت قبل أن يختفي صوتها الذي استوطن نفسي وأحاسيسي وأبى أن يفارقني. ولمرّة واحدة تمنيّت لو أن صراخ العالم يجتمع ولو لبرهة فيصم آذان من زجّوا بنا في هذا المصير.. تُرى من سيستجيب! أليس الصبح بقريب ..