نحن الصحافيين … .. يوما بعد يوم ، تنحسر مهنة الصحافة في العالم العربي ، وقد يأتي يوم قد لا يكون بعيدا ، يعود فيه الإعلام العربي إلى ما كان عليه الشعر العربي في الجاهلية وحتى ما قبل منتصف خمسينيات القرن العشرين بقليل ، شعر قائم على الهجاء أو الفخر ، على المدح أو الرثاء. الشاعر كان لسان حال القبيلة ، ولنلاحظ هنا ” لسان حال ” ، أي ليس عقلها ، ولا مفكرها ، وهذا ما يجري عليه الحال في الأحوال الراهنة ، حيث يتقدم ” لسان الإعلاميين الجدد “، على من تبقى من إعلاميين وصحافيين يمارسون المهنة وفق منطق يقول : العقل قبل اللسان . في محنة الصحافة العربية ، والظاهر أن أمدها سيطول كما طال أمد ” محنة الحنابلة ” ، وأعقبه أمد أطول معروف ب ” محنة المعتزلة ” ، لا يبدو كثيرون على استعداد للخروج من دائرة تتعقب بقايا الصحافيين وترميهم بأي اتهام يحلو لأي لسان قوله أو قذفه ، حتى لو كان عن طريق الشبهة بنقطة أو فاصلة ، او عن طريق الإشتباه بحرف جر في مقال او حوار ، فالتعقب والترصد سمة وميزة اللسان الجاهز دوما ودائما لبث مقذوفاته ومقصوفاته واتهاماته . نحن الصحافيين نفسر الحدث ولا نبرر الحدث نحن الصحافين نحلل الحدث ولا نهلل للحدث هذان العنوانان ، يشكلان قاعدة العمل الصحافي ، والتحليلي منه بوجه خاص ، وأما الإعلام بالحدث ، فيعني لنا معشر الإعلاميين ، نقله والإخبار عنه ، والسعي إلى الإحاطة بخلفياته وأبعاده وفق منطق الإستدلال وليس وفق منطق الظن المجرد الذي يفتح المخيلة الواسعة على كل تهويماتها ، فتكون النتيجة تشويه الوعي وتزييفه . نحن الصحافيين ننحاز إلى الخبر وليس إلى صانع الخبر قد يكون لكثيرين منا ، وجهات نظر مضمرة ومستبطنة حيال فريق ما أو رؤية ما او قضية ما، ولكن هذا الإستبطان لا يتغلب على أصول المهنة ، لا في نقل الخبر ولا في تحليله ، لا في تعظيمه ولا في خفض شأنه ، وأما صانع الخبر فموقعه في الخبر بقدر الخبر. نحن الصحافيين نمارس المهنة ولا نمارس الإهانة قد تأخذ الغيرة بعضنا إلى مكان السوء ، فيسعى إلى امتهان الإهانة ، وكلما امتهنها خرج من المهنة ، وغدا مهينا وليس مهنيا ، وقد تأخذ الغيرة بعضنا إلى الشهرة ، فينطلق نحو أساليب الإهانة ، وبهذا الإنطلاق يكون قد سلك طريق أصحاب الشهرة وغادر طريق أصحاب الخبرة . نحن الصحافيين أقرب إلى المؤرخين وأبعد عن الصارخين قيل فينا في يوم ما ، إن الصحافي هو مؤرخ اللحظة ، ولم نقرأ أن احدا قال إن الصارخ هو مؤرخ اللحظة او موثق اللحظة ، وحين يقال إننا نوثق اللحظة ، يعني اننا نحفظها إلى من يأتي بعدنا ، نحولها إلى وثيقة ، ولو أمعنا في معنى الوثيقة لعرفنا ارتباط دلالات المعنى بين الوثيقة والثقة . نحن معشرالصحافيين لسنا مداحين ولا هجائين يقلقنا نحن الصحافيين اليوم التالي ، اليوم الذي يفتح فيه أبناؤنا أو أحفادنا أعينهم ، فلا يرون صحيفة في العالم العربي ، ولا يرون الا شاشات يتقاتل فيها بنو عبس وبنو ذبيان في دواحس وغبروات لا تنتهي ، ولا يرون في وسائل التنابذ الإجتماعي إلا ما قاله الشاعر جرير: نبئتُ تغلب ينكحون رجالهم / وترى نساؤهم الحرام حلالا ، أو ما قاله الأخطل : قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم / قالوا لأمهم بولي على النار. نحن الصحافيين يقلقنا اليوم التالي ماذا عن اليوم التالي ؟ ماذا عن صحافة العرب ؟ وماذا عن إعلام العرب؟. ……………