# قرأ الدكتور جميل الدويهي ( صاحب افكار إغترابية / سيدني ) في نصين عن ” الحب ” للدكتور عماد فغالي ( رئيس منتدى ” لقاء ” الثقافي ) وكتب مقالة تحت عنوان ” أيّها العماد الجميل… تكتب بحبر الضوء ” .
نصان للدكتور عماد فغالي :
النصّ 1:
تنفّسٌ آمنٌ! يا روحًا أنبضُ حبّها يقذفني البُعاد تحرق ثنايا قلبي أشواقُ إليكِ… تأتين ليلي بأضواءَ تنير دربًا يعصى على الظلام! تحلّين مليكةً على عمري، يُنشد فرحًا أضاعته النوائبُ، من واقعٍ بالأرق مجبول… أما حقّ لعاشقٍ تنفّسٌ آمنٍ في تعبيراتِ الهيام؟
النصّ 2:
كتبتَني! كتبتَني قلتِ… نعم. عبّرتُ عمّا أنتِ فيّ. شكرًا لأنّكِ أحببتِ… هو قلمي، يخطّ تعبيراتي، يحدّث عنّي، ويفلتُ منّي خوالجَ صادقة… إِنْ كنتِ سيّدةَ كتاباتي، سكنتِها، تملكين ملَكَتي الأدبيّة مضمونًا محبّبًا… فإنّكِ تتشكّلين ملهمتي! يا سيّدةً في قامةِ امرأةٍ أحبّ أنوثتَها، لا تعجبي إن كتبتُكِ… أعجبُ أن تكوني، ولا يعبرُ مدادي نحوكِ جمالات!
# قراءة د. جميل الدويهي :
# استهل د. جميل الدويهي مقالته بالقول :
في صيف عام 2019، كان لقاؤنا الأوّل مع منتدى “لقاء” في لبنان ومؤسّسه د. عماد يونس فغالي. وعرفنا قامة فكريّة وأدبيّة عالية، وهمّة لا نعرف السكون في عالم الكلمة المضيئة. وكان التكريم الذي أقامة منتدى “لقاء” للوفد الاغترابيّ علامة فارقة، ومناسبة متميّزة تحوّلت إلى شراكة بين مشروعِي للأدب الراقي “أفكار اغترابيّة”، ومنتدى “لقاء” ستستمرّ طالما في الحياة حياة، وفي العروق نبض… فنحن نفتخر بالشراكة مع مؤسّسات تعمل وتضحّي وتعطي، كما نضحّي ونعطي نحن…
وعرفت في د. فغالي أيضاً شخصيّة أديب مرموق، صاحب طريقة في الكتابة وخطّ متفرّد. الرقيّ في أدبه يعني لي الكثير، وقد اتخذت الرقيّ شعاراً لمسيرتي ومشروعي على حدّ سواء. ولا يزعجني شيء في الأدب أكثر من الكلام الجارح، والألفاظ السوقيّة، والإهانة في اللغة… وللأسف أصبح للأدب الهابط أنصار يطبّلون له، أمّا نحن، معشر الأدب الصحيح، فلا نغرق في شبر ماء، ولا تسحرنا أو تسكرنا إلاّ الخمرة الأصيلة والقيَم النبيلة. وكم نخجل وتحمرّ وجوهنا عندما نسمع ما يندى له الجبين، ونأسف أن يكون هناك من يرفعون بأصحاب هذا الأدب، وينعتونهم بما يليق بامرئ القيس والمتنبّي!
وقال د. الدويهي :
د. عماد من رعيل الأدباء السامقين، والرفعة عنده وسيلة وهدف. وأقرّ بأنّني لم أقرأ له الكثير من كلام الحبّ للمرأة. فقد أغبطني بكتاب واحد نشرته على موقعي، ولم يكن فيه الكثير من الغزل والحبّ. أمّا ما قرأته مؤخّراً، فنصّان قصيران، لكنّ فيهما غنى… حيث أنّ الحبّ تنفّس آمن، في زمن بات فيه التنفّس خطراً، وتنشّق الهواء ينذر بعاقبة، وقد يعرّض المرء لمضاعفات توصله إلى آلة التنفّس الاصطناعي.
جميلة هذه المقاربة… فكأنّي بالأديب – الشاعر منعزل عن الدنيا، لضرورة أمنيّة أو صحّيّة، وتعود إليه الذكرى مع الحبيبة، فتتحرّك فيه الأشواق ويغالبه الحنين. وفي ظلمة الليل، تأتي الحبيبة حلماً رقيقاً، يضيء العتمة، ويعيد الأمل للحبيب الذي يتقلّب على جمار انتظار. إنّها ملكة على العمر، وكم من الملكات عبرنَ في عالم الأدب والفكر والشعر والأسطورة: جورج صاند حبيبة ألفرد دوموسيه، جولي حبيبة لامرتين، مرغريت غريتشن حبيبة غوته، ماري هاسكل حبيبة جبران… وامرأة مجهولة لا نعرف اسمها هي حبيبة عماد. وهل شيء في الدنيا أغلى من سيّدة رائعة تتسلّل إلى أحلام الشاعر ليلاً، وتضيء مصباحاً لأحلامه وسعادته كطفل قرير العين، يغفو وابتسامته – عفواً ابتسامتها – على شفتيه!
نعم، إنّها المخلّصة التي تدلف إلى بيته، وهو بعيد عن كلّ الناس، فتكون هي الفرح، والخلاص من واقع مرير تعيشه الإنسانيّة، والشاعر الأديب جزء منه، ومن ألمه، وأحاسيسه المخيفة.
وختم د. جميل الدويهي مقالته بالقول :
أيّها العماد الجميل! أنت لا تكتب بحبر أسود، بل بحبر الضوء، و”تكتثبُها” لأنّها الموضوع والحياة، ولولا هي، لما كان هناك فرح ولا سطر يتنزّلُ على ورقة. وكم فريد هذا التداخل بينكما! فعندما تكتب لها إنّما أنت تكتب عنها وهي تسكن فيك، أيها الساكن في حرارة الكلمة ودفء العاطفة.
المرأة سيّدة القلب، وسيّدة القلم، وسيّدة العالم، وأن تقول لحبيبها: “كتبتّني”… فهذا يعني أنّها تفهم بالإشارة، وتعرف أنّ ما يكتبه إنما هو جزء منها، بل هي نفسها وحضورها في النصّ… فكأنّها عبلة أو ليلى أو هند أو رقيّة في شعر العباقرة السابقين، حيث لا تخلو قصيدة من ذكرهنّ، ورائحة المسك من أثوابهنّ تفيض من الدواوين الأنيقة العابرة للزمان.
ملهمة هي المرأة وعاتية في جبروتها وإن تكن رقيقة. هي محتلّ يفرض سطوته وهيمنته على القرار… ويعلن أنّ الأدب مستعمرة نسائيّة، والرجال فيها أتباع جمال، والرجال يا سيّدي، خطرون في مملكة العطر والسحر والعيون السود.
سلِم قلمك أيّها الأديب الفغاليّ المترفّع في حبّه، العذريّ في بوحه، المتضرّع في معبد المرأة، وسلمتَ وأنت ترتقي إلى محراب التعبير الأنيق عن الفكرة، وتنزلها جمراً في كتاب، وشمساً بين كلّ سطر وسطر.
# د. جميل الدويهي- مشروع أفكار اغترابيّة” للأدب الراقي- سيدني 2020