# بقلم الناقد محمد الديراني:
انطباعات حول (شمس الأستاذ ايمان)
للكاتب والأديب يوسف هزيمه
1-
صدرت مؤخراً عن دار الفارابي مجموعة قصصية للأستاذ يوسف هزيمه بعنوان (شمس الأستاذ ايمان) وهي تحتوي سبع عشرة أقصوصة.
يقول هزيمة في التوطئه والتوضيح : ((تدور أحداثها في أماكن وأزمنة متعدده ومختلفه)).ويقول : (( كتبتُ بعض هذه القصص بين الأعوام 2003 و2010)).ويردف : ((الا أن أكثرها كتب في العامين 2019-2020)). ويتابع : ((وهي قصص مستمدة من الواقع. بعضها حقيقي،وبعضها الآخر هو من نسيج الخيال)).ولكنه : ((خيال له أساس في الواقع المعيش)).
2-
انها ليست المرة الأولى التي أقرأ للأستاذ هزيمة ، فقد سبق أن قرأت له((التكبر آفة وعلاج )) الصادر سنه 1998 ، وكتاب ((المقبرة في ساعة متأخره من الليل)) الصادر سنة 2010، والذي وقّعه الكاتب هزيمة في قصر الأونيسكو في بيروت برعاية وزير الثقافة آنذاك الأستاذ سليم ورده. ويومها قدمتُ الكاتب والكتاب في ذلك الاحتفال . وها أنا اليوم أكتب مسجلاً انطباعاتي بعد قراءة مجموعة الكاتب هزيمة التي تحمل اسم ((شمس الأستاذ ايمان)).
3-
في الواقع ثمة عقبات تعترض طريقي وأنا أسجل ملاحظاتي وانطباعاتي بعد قراءة المجموعة .أهم هذه العقبات اثنتان : أولها أن الأستاذ هزيمة تجمعني به وتشدني اليه صداقة قديمة تربو على ربع قرن من الزمان . ثانيها قولهم : ((المعاصره حجاب))فإن أحببت رفعت وان كرهت وضعت .فكيف لي أن أكون موضوعياً في كتابة عن أثر أدبي من انتاج صديق عزيز ؟ ولا سيما أنه يجمعنا الى جانب الصداقة((غرام)) بالأدب والشعر والفكر . ومهما يكن فانني سأحاول أن أكون موضوعياً ما استطعت الى ذلك سبيلا . مع اعترافي بصعوبة المحاولة . لكنها لن تكون مستحيله.
4-
قبل النقد : التعريف بفن القصة لغةً واصطلاحاً.
ان القصة لغة تعني تتبع الأثر والخبر .وقد وردت بهذا المعنى في القرآن الكريم، عندما أوحى الله تعالى الى أم موسى أن تلقي رضيعها في اليم ، ألقطته فأصبح فؤادها فارغاً (وقالت لأخته قصِّيه ،فبصرت به عن جُنب وهم لا يشعرون) أي تتبعي أثره وخبره . وبهذا المعنى يصح أن نطلق على الكاتب القصصي المتتبع للآثار والأخبار .
أما القصة اصطلاحاً فهي ((حكاية أحداث ورسم أشخاص بأسلوب قصصي فني يهدف تحقيق غاية مرسومة من قبل القصاص)).
وعلى ضوء هذا التعريف لفن القصة نستطيع أن نلاحظ شروط القصة الفنية وعناصرها . وهي :الحادثه التي تدور حولها القصة- الأشخاص الذين يتحركون على مسرحها- التوطئه التي لا بد منها والمناسبة –الاسلوب القصصي الفني .والمراد من الأسلوب :
ألف -اللغة سرداً وحواراً.
ب- تصوير دخائل الشخصيات.
ج- مراعاة التوطئة والعقدة والحل .
د- الواقعية في اللغة والأشخاص .
ه- الموضوعية التي توجب على الكاتب أن يختفي خلف أشخاصه ،فيحركهم على مسرح الأحداث كما هم في الواقع من غير أن يتدخل بشكل مباشر .
بقي أن نقول أن من شروط القصة وعناصرها :الغاية التي يرمي اليها الكاتب من كل ذلك،اذ لا بدَ من هدف مرسوم يريد الكاتب تحقيقه .أو درس يريد أن يبلغه للآخرين . والا لتحول الأثر الأدبي الى ما يشبه العبث واللهو على طريقة أهل مدرسة ((الفن للفن)).
وعلى ضوء هذا التعريف والشروط والعناصر،سأحاول أن أقيم مجموعة الأستاذ هزيمة آملاَ أن أكون موضوعياً، بعيداً عن المصانعة والمداراة والانحياز،وبعيدا عن الأحكام الجاهزة التي تفقد عملي أية قيمة أدبية.
5-
أقصوصة (( الجنود في رأس الظهر))أنموذجاً .
-ملخص القصة:
تروي لنا الاقصوصة حكاية كهل جنوبي يصطحب حفيده الى حقله الواقع خارج القرية لتعشيب أرضه المغروسة بشتائل التبغ . أثناء العودة يشاهد الحفيد ثلاثة مسلحين يظنهم جنودا.ولكن الجد يخبره بأنهم فدائيون .يحث الجد الخطى الى المنزل ويطلب من العائلة أن تأوي الى الغرف الداخلية لأنه توقع قصفاً اسرائيلياً رداً على عملية الفدائيين فكانت ليلة لم تغفُ فيها العيون وفي الصباح تجمع أهل القرية لكي يشاهدوا آثار القصف الاسرائيلي .وفي المساء يطلب الجد من حفيده أن ينام باكراً هذه الليلة لأنه سوف يصطحبه صباحاً الى الحقل لتعشيب الدخانات .
-التحليل :
حقق الكاتب في هذه الاقصوصة شروط القصة الفنية التي سبقت الاشارة اليها .
ففي التوطئه تعرفنا الى المناسبة والزمان والمكان والشخصيتين الرئيسيتين فيها .فالمكان الحقل المغروس بشتائل التبغ خارج القرية ،والزمان عصر يوم ربيعي من شهر نيسان ،والشخصيتان الرئيسيتان هما الجد وحفيده.
استخدم الكاتب لغة امتزج فيها السرد المنساب من قلمه بيسر وسهولة بالوصف والتصوير للمكان ولتعلق الجد بأرضه وسرور الحفيد بمرافقة جده.
ان تحديد الأمكنة بدقة جعلت القاريء يعيشها ويشاهدها ويحس بمكامن جمالها ويشعر
بتعلق الجد بشتلة التبغ التي يتعامل معها بحنان وحب وشغف.
الفدائيون الثلاثة لا نعرف عنهم شيئاً سوى أنهم قاموا بعملية فدائية عرفنا آثارها من خلال رد الفعل الاسرائيلي المتمثل بالقنابل التي أضاءت سماء الضيعة ليلاً .
الحوار النادر في القصة عبارات أجراها الكاتب على لسان الحفيد والجد ، حيث انطق كل واحد منهما بما يتلاءم ويتناسب مع سنه وثقافته مثل قول الحفيد:شوف الجيش يا جدي بس هول الهن دقون . ورد الجد قائلاً :هول الفدائيي يا جدي، وقوله: الله يهدك يا اسرائيل والله يحمي الفدائيي، والدَّب عم يقرب صوتو ويقوى .
وهكذا ينطق الكاتب أشخاصه بما يتناسب من لغة عامية مأنوسة تجري على اللسان بعفوية وواقعية .
لقد حقق الكاتب شرط الواقعية في لغته وحواره واشخاصه وشرط الموضوعية التي تجلت في حياديته وعدم تدخله بشكل مباشر في رسم شخصياتهم وحوارهم .
ولكي ندرك معنى الموضوعية نشير الى جبران خليل جبران في معظم قصصه حيث نرى جبران حاضراً في كل شخصياته فأبطال قصصه في الواقع هم جبران نفسه .أما الأستاذ هزيمه فقد اختبأ خلف شخصياته يحركهم ويجعلهم ينطقون بلغتهم هم كما هم في الواقع .
هذه القصه يصح أن نطلق عليها حكاية((الحاله))أكثر منها حكاية الحدث أو الحادثة ففيها الكثير من التصوير للشخصيات ورسم الحالة الداخلية لكل منهم .
أما السرد ففيه الكثير من السلاسه واليسر والسهولة التي تدفعك الى المزيد من القراءة والمتابعة من غير أن تحس أو تشعر بأية مطبات أو عقبات تحول بينك وبين القراءة السهلة التي تكاد أن تكون ممتنعة في آن معاً .وهذا يؤكد امتلاك الكاتب قدرة لغوية وذائقة فنية في اختيار مفرداته وسبكه جمله .
إن تحكمه في لغته جعلتها تنساب في الوصف انسياباً رشيقا،ما ساعده على رسم شخصياته في حركتهم وتفكيرهم وسبر أغوارهم والتغلغل الى بواطن أعماقهم .
ان امتزاج السرد بالوصف بشكل رائع ينم عن امتلاك الكاتب قدرة تؤكد أنه قصاص من الطراز الرفيع .
أما المغزى أو الدرس الذي رمى اليه الكاتب من خلال هذه القصة، فهو التأكيد على تعلق الجنوبي بأرضه الى حد العشق ، وعلى المزاوجه بين هذا العشق واحساسه بكرامته وعزته ، عبر موقفه من الوقوف الى جانب الفدائي الذي يقاتل اسرائيل الدوله المغتصبة وهو شعور يؤكد استعداد الجنوبي الدائم للتضحية بكل شيء من أجل أن يعيش عزيزاً مرفوع الرأس .
بالاجمال نستطيع القول ان الكاتب هزيمة قدم لنا عبر أقاصيصه لوحات وحكايات بأسلوب قصصي فني ما يؤكد أنه كاتب قصة من الطراز الرفيع .
# الناقد محمد الديراني “أديب وتربوي”
الأستاذ يوسف هزيمه كاتب بارع واستخدامه اللغه والصوره والرموز يدل على ابداعيه ورشاقه يراعه وريشته
الأستاذ يوسف هزيمه كاتب بارع واستخدامه اللغه والصوره والرموز يدل على ابداعه ورشاقه يراعه وريشته