# الجزء الأول ( خاص ” ميزان الزمان ” )
# المقالة النقدية ( التذوق الابداعي في النص النقدي)
# بقلم الدكتورة مفيدة الجلاصي / تونس :
المقدمة :
إن البحث في مسألة الإبداع في النص النقدي يجرنا حتما الى رؤية نقدية جمالية لها خصوصيتها الجمالية في مجال علاقة “النقد بالابداع” أو ما يمكن وصفه بالتقاطع الفكري بين النص الأدبي الإبداعي والنص النقدي،
ولعل خصوصية هذه الرؤية تكمن فيما تختزنه من بعد جمالي متصل بالعمل النقدي الذي قد نعتبره عملا ابداعيا في رأينا لأنه يتأسس على مدى استغلال الناقد لقدراته العقلية ومخزونه الفكري وجرأته في استثمار خياله وبصيرته وحسه التذوقي في تناوله للنصوص،الإبداعية شعرا ونثرا وتقييم الجهد الخلاق الذي قدمه المبدع فيقدم حينئذ،على تأمل ما يقع بين يديه من نصوص ابداعية محاورا اياها ومستنطقا ابعادها ومضامينها ومحللا لاشكالها واساليبها فلا يتوانى عن استقصاء مغلقاتها وفك رموزها وموضحا لطبيعة العلاقة بين تجربة المبدع وتجربة الواقع
ولعلنا لا نبالغ عندما نقر بحقيقة حرص النقاد المعاصرين على مواصلة صياغة المنهج النقدي العربي في ضوء هموم التحديث لانهم “يشعرون بعظم المسؤولية نحو الخروج من قلق المواجهة غير المتكافئة مع الآخر والانتقال من مرحلة الاجتهاد الى مرحلة الإبداع”
(انظر مجلة فصول م 9 ع ع 3و4 1991 ص9)
1 جمالية النص النقدي
لا شك في أن ما طرا على مختلف صنوف المعرفة ومناهجها من تطور مشهود قد اسهم الى حد بعيد في نظرنا في تفجير ما عهدناه من سنن تقليدية في النقد الأدبي واستحداث طرق جديدة تختلف عنها نوعيا في الوصف والتحليل والتقييم ، وهذه المسالة تجرنا الى الجدل الذي بات على أشده اليوم حول توظيف المناهج الحديثة في قراءة النص الادبي العربي عامة والنص الأدبي القديم خاصة وهذا الجدل يشف عن مشكلة ذات وجهين في رأي ” محمد ناصر العجيمي ” في دراسته” المناهج المبتورة في قراءة التراث ” البنيوية نموذجا” ” ويكمن الوجه الاول من المشكلة في أن هذا الجدل يرجح صدى المعارك المنهجية في الغرب ويندرج من ثم ضمن هموم فكرية ومعرفية عامة ويتمثل الثاني في انه يعكس وجها من وجوه أزمة الفكر العربي الحديث في علاقته بالطرف الآخر من ذاته وهو التراث”
ان هذا الضرب من الدراسات يسهم اسهاما فاعلا في خلق حركية جديدة في الفكر العربي الحديث ولا سيما في مجال النقد الأدبي بل انها تختلق نوعا من الحماسة لدى الدارسين في اصطناع المناهج الحديثة والتوسل بها في دراسة التراث الأدبي العربي شعرا ونثرا وهذا ما أكد عليه الاستاذ ” حسين الواد” في معرض حديثه عن المناهج الحديثة فقال ” يشهد زماننا هذا جدلا حول المناهج في التعامل مع الظاهرة الأدبية لم يسبق له مثيل فيما نعرف من اعصار التاريخ الماضية فكان الساعة الان اعادة النظر فيما حصل بعد مكاسب في طرائق فهم الادب أو نقده أو درسه وتدريسه ”
وهكذا فالمنهج النقدي الواحد تفجر الى مناهج متعددة تتعامل مع الظاهرة الادبية برؤى ومواقف مختلفة ووجهات نظر متعددة فعبرت عن ” عن اجتهادات فردية وجماعية فكانت اسهامات في تحسس المسالك لعلم يعنى بالادب ويرسي له اسمه” على حد تعبير حسين الواد
لقد اتخذت المناهج الحديثة مسالكها النقدية في تحليل النصوص الادبية وشرحها وتجاوزت مسألة البحث في ماهية الادب الى التركيز في الاهتمام بمحتوى النصوص ورات ان النصوص تعكس على اساس التصوير منابعها لانها تعكس ايضا احداث الحياة التاريخية الفردية أو الجماعية يتفاعل معها الاديب ويصدر عنها وهي تعكس ما في باطن النفس من عقد ومركبات واساطير وهي تعكس الواقع الاجتماعي بما فيه من وعي ومن تطاحن طبقي ومن مواقف ايديولوجية وهي تعكس هياكلها ذاتها( انظر ” حسين الواد”:”قراءات في مناهج الدراسات الادبية ص: 37)
ولعل البحث النقدي الذي يتوسل اصحابه بهذه المناهج الحديثة قد يدرج في حركة ” جمالية التقبل” theorie de la reception وهي نظرية تناهض شرح النصوص هدفها ليس في البحث عن القواعد التي تم بها ابداع النصوص الادبية وانما التعرف على طريقة تلقي النصوص وظروف انتاجها .
# ( الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي)