الجزء 12
من المقال النقدي “خصائص المنهج النقدي عند طه حسين في” حديث الاربعاء “
# بقلم الناقدة الدكتورة مفيدة الجلاصي ( تونس ) :
..لا يسع الدارس لكتابات” طه حسين
إلا أن يؤكد أن كتابيه “في الشعر الجاهلي” و”حديث الاربعاء” باجزائه الثلاثة يمثلان منعرجا هاما في تاريخ البحث والنقد العربيين المعاصرين لانه استطاع ان يدخل مبدأ الشك بأبعاده الديكارتية مقياسا من المقاييس النقدية إلى ذهن الناقد العربي الحديث، عندما دحض ذلك الإيمان الأعمى لما يقع بين يديه من آثار أدبية وفنية او التسليم الساذج المقدس لها بل إنه طالب الناقد بأن يبني دراساته على التمحيص، والتحليل الدقيق بالاعتماد على العقل والمنطق وإن احتوت تلك الدراسات ما احتوته من ذاتية ليست في نظرنا إلا أمرا طبيعيا في البحوث، النقدية الأدبية ولا يمكن لأي ناقد مهما ادعى من العلم والمنطق في نقده أن يتجرد منها
ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن مبدأ الشك عند “طه حسين” ،قد ارتبط بمبدا المقارنة بين الشعراء
و المقارنة أسلوب في النقد مرتبط بنظرته الجمالية للأدب في البحث عن جمال النص وما يبعثه فيه من شعور بالمتعة فهو يقارن بين الاخبار ومحتوى النصوص، الشعرية “فبينا نجد في هذه الأشعار، من صدق اللهجة وحرارة العاطفة وحدة الشعور ما يملك عليك نفسك لا تجد في هذه الأخبار التي، تروى حول هذا الشعر إلا تكلفا وتصنعا واسرافا في المبالغة وانتهاء إلى السخف” (حديث الاربعاء ج 1ص 197)
لقد تعقب “طه حسين” مظاهر جمال النصوص، الشعرية ولم يفصلها” عن الجمال الفني اللفظي الذي نجده في القصص وفي سياق الرواية”( حديث الاربعاء ج 1ص 197)
وتتحاوز المقارنة عنده مستواها الفردي بين الأدباء والشعراء ومقدرتهم على الاجادة في الإبداع الأدبي إلى مستوى حضاري خطير، في نظرنا عندما يقيم مقارنة بين المجتمع العربي والمجتمع الاوروبي والأمريكي ليقف على سر الاختلاف بينهما فيحدد أسباب رقي المجتمع الاوروبي وتخلف المجتمع الشرقي، العربي فالحروب والخلافات لم تصرف اوروبا ولا أمريكا عن حياة العقل والشعور أو لذة العقل، والشعور فكثر، التأليف،وكثرت الترجمة واشتد ما بين الأمم من صلات فحرصت الحرص كله على أن يعرف بعضها بعضا ويفهم بعضها نفسيات بعضها الآخر فتم ذلك الانفتاح الحضاري والتلاقح الفكري والثقافي وعبر عن ذلك بقوله :”وما أحسب، ان الأمم تعاونت على الحياة العقلية والشعورية في عصر، من العصور كما تعاونت عليها أثناء الحرب الكبرى، أما نحن فسل عن حبنا للحياة العقلية وعن عنايتنا بها قبل الحرب وأثناء الحرب قبل الثورة وأثناء الثورة….. أليس، غريبا ان تضطرب مصر اضطرابعا هذا دون أن يكون لهذا الاضطراب أثر علمي أو ادبي يخلده التاريخ؟ أليس غريبا ان يكون وقت الثورة الفرنسية هو أشد عصور فرنسا خصبا وأعظمها ثورة من الوجهة العلمية والأدبية والفنية والسياسية على ما امتلأ به هذا الوقت من هول وأن تكون ثورتنا أشد الثورات جدبا وفقرا وضيقا؟ “( حديث الاربعاء ج 1ص 48)
هكذا عبر” طه حسين ” عما كان يشعر، به من أسى وما كان يسكنه من ألم منض، لما بلغه المجتمع العربي في عصره من” الإفلاس الأدبي والعلمي، والفني” كما صرح، (حديث الاربعاء ج 1ص 49)
ولذا،انبرى يعول معول النقد، اللاذع، لهذا الواقع الفكري والادبي،المتردي محاولا تحديد الأسباب التي ادت إلى هذا الوضع البائس، فشخص واقع الفكر،في،مجتمعه وحالة الانحطاط والعقم والجمود التي آل إليها بكل ما أوتي من صراحة وصدق وجراة في مواجهة خصوم التجديد وأعداء التطور وكل المتشبثين بالمناهج التقليدية العقيمة التي،عفى عليها الزمن فدعا في غير تحفظ إلى النهل من المناهج الاوروبية المتجددة التي لولاها لما اضحت الحياة الأدبية والفكرية في، اوروبا خصبة على ذلك النحو الراقي، والمزدهر عله بذلك يصلح، ما فسد في الواقع العربي فكرا وادبا وذوقا
(يتبع)
# (الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي)