# ( خاص ميزان الزمان )
الجزء الحادي عشر
من المقال النقدي للدكتورة مفيدة الجلاصي حول “خصائص المنهج النقدي عند طه حسين من خلال” حديث الاربعاء “
لقد اعتبر” طه حسين ” الشك مبدأ اساسيا لانه بالنسبة إليه يرتبط بالبحث النقدي الدقيق المعتمد على التحقيق والتحليل لروايات اخترعها الخيال لأننا كما يقول” لا ينبغي من الأدب والتاريخ رواية الأعاجيب والعظات ولا إرضاء الذوق، والميل الفني وإنما نتخذ الأدب والتاريخ، مرآة للأمم وسبيلا إلى فهم حياتنا العقلية والشعرية” ( حديث الاربعاء ج 1ص 185)
وقد يزداد لديه الشك عندما يجد اختلافا في أخبار الرواة، فيرى أنه
“من الحق علينا أن نشك في أخبار هؤلاء الرواة حين يروونها واثقين وأن نبالغ، في الشك حين يروونها متخفظين وأن نشتد في المبالغة حين نراهم يختلفون فيما بينهم”
(حديث، الأربعاء ج 1 ص 178)
إن المبالغة في الشك لدى “طه حسين” هي التي دفعته لأن يضع بعض ما أعتبر حقائق موضع تساؤل فقال” ولست أدري، أوجدت “ليلى العامرية” حقا أم لم توجد؟ ولكني أعلم أن “ليلى” عند العرب في ذلك العصر كانت شيئا يشبه “هيلانة” عند اليونان في عصر الأبطال وكذلك، قيل في” لبنى” و” بثينة”
و” عزة” و” رشا” وغيرهن من النساء اللاتي ألهمن الشعراء المجهولين غزلهم ونسيبه” ( حديث الاربعاء ج1،ص 194)
هذا الإنكار لوجود مثل هذه الشخصيات جعل” طه حسين ” يقف عند زيف، ما روي عنها، فرأى أن” قصة المجنون أشدها سخفا وأكثرها غلوا واحالة وأخلاها من المغزى النافع أو المعنى المفيد فلست تجد في هذه القصة شيئا يبين لك شخصية هذا الرجل الذي اتخذ، بطلا بل كل ما نجده ألوان من المبالغات وضروب من الإسراف لأن قصة المجنون سخيفة ضعيفة مملوءة بالاحالة والمبالغة لا يستطيع الناس أن يؤمنوا لها أو يطمئنوا إليها مهما يكن حظهم من السذاجة “(حديث الاربعاء ج 1ص /ص 198/199)
ان تأثر” طه حسين ” الكبير بالمنهج الديكارتي المعتمد، على العقل والمنطق في فهم الأشياء، جعله ينسف نسفا العديد من الروايات ويفندها حول، شخصيات معينة ذكرها وهذا ما دفعه إلى أن يضع كل ما يدرسه تحت محك التحليل متخذا الشك مبدأ اساسيا لحكمه، لذلك كان يرفض، ما تناقله الرواة حول تلك الشخصيات ولم يسلم بذلك محاولا التجرد من كل الأهواء العاطفية عملا بما أراده “ديكارت” الذي توجه بمحاوراته إلى هؤلاء الباحثين، الذين “يستخدمون عقولهم الخالصة في نقدهم ” (انظر Descartes René :Discours de la Méthode 18 ème partie dans Œuvre philosophique “Paris Garnier 1963 p 649
وانظر أيضا” Meftah Tahar :Taha, Husayn “Sa, critique littéraire et ses, sources françaises” La, Méthode Cartésienne p p 90/96)
إن هذا الإلحاح في اعتماد مبدأ الشك مقياسا نقديا قد دفع بطه حسين إلى البحث في، الآثار الأدبية القديمة وتدبر مضامينها وأبعادها غيرأن ذلك لم يسلمه إلى، اليقين، الصرف فصرح قائلا :” إنني شككت في قيمة الأدب، الجاهلي والححت في الشك او قل ألح علي الشك، فأخذت أبحث وأفكر، وأقرأ وأتدبر حتى انتهى، بي، هذا، كله إلى شيء، إلا يكن يقينا فهو، قريب، من اليقين ذلك أن الكثرة المطلقة، مما نسميه أدبا جاهليا ليست من الجاهلية في شيء وإنما هي، منتحلة بعد، ظهور الإسلام فهي، إسلامية تمثل، حياة المسلمين وميلهم، وأهواءهم أكثر مما تمثل حياة الجاهليين وأكاد لا أشك في أن ما بقي من الأدب، الجاهلي الصحيح قليل جدا لا يمثل شيئا ولا يدل على شيء ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الأدبية الصحيحة، لهذا العصر الجاهلي”( في الأدب الجاهلي ص/ص 70/71)
ومهما يكن من أمر فنحن نرى ان
” طه حسين ” قد غالى في الشك إلى درجة الإنكار الكلي، في، حين أن” ديكارت ” قد اعتمد على الشك، المنهجي مبدأ مؤقتا أو مرحليا وليس، نهائيا ينتهي بالباحث إلى الإنكار الكلي لذلك لم يعتمد” طه حسين ” على الشك طريقا إلى اليقين بل جعله طريقا إلى الإنكار، وبالغ، في، ذلك الإنكار حد الجحود الذي، أوقعه في، رأينا في نوع، من التطرف الفكري الأدبي وضعه في، مواجهة لكم هائل من انتقادات المحافظين الرافضين لأحكامه النقدية التي رأوها،احكاما،جائرة في حق، تاريخ الأدب الجاهلي وتقويضا، لما تناقله الرواة، حول تاريخ ذلك الادب..
(يتبع)
#(الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي/ تونس )