في الجزء الخامس من دراستنا
“خصائص المنهج النقدي عند طه حسين” سنركز على المفاهيم النقدية التي اعتمدها “طه حسين” وهو الذي سلك المنهج التاريخي في قراءته للأدب العربي لا سيما القديم منه ولعل ذلك هو الذي جعلنا نقف على رؤيته النقدية المتسمة بالبعد الحضاري في مختلف كتاباته النقدية والإبداعية ذلك ان كتابة الأدب لديه مرتبطة بالقدرة على تحقيق التراث واستكمال الدراسات اللغوية والفقهية وعمل المعاجم التاريخية الحديثة علاوة على التأكد من المسلمات السياسية
وإذا لا بد من توجيه جهود الباحثين في تاريخ الآداب العربية نحو فهم النصوص الأدبية على وجهها وما يتطلبه ذلك من معرفة لشخصيات الكتاب الحقيقين والتدقيق في وضع الأدب العربي والتاريخ السياسي العربي على وجهه الصحيح وكذا الشأن بالنسبة إلى التاريخ العلمي العربي والتاريخ الفني العربي، وتاريخ المذاهب والاراء المختلفة
ولا ينفصل المنهج النقدي عند طه حسين عما يواجهه المجتمع العربي من واقع مجهول لذا وجب تحديد معالم هذا الواقع ومسؤولية هذا الواجب ملقاة بالدرجة الأولى على الجامعات التي هي مطالبة بأن تخرج مجموعة من الباحثين ابمؤهلين للبحث الدقيق في التاريخ بالدرس والفهم ويشترط لذلك وجوب توفر الواقع الملائم الذي، يحظى به مؤرخو الآداب الأوروبية وهو جو الحرية المطلقة فينظر إلى الأدب العربي كغيره من العلوم القابلة للبحث والخاضعة للشك واليقين
ومهما يكن من أمر فقد سعى “طه حسين” في “حديث الاربعاء” بأجزائه الثلاثة إلى تحسس مواطن الجمال الإبداعي في النصوص الأدبية العربية بأسلوب التحليل والتمحيص دون أن يخرجها من اطارها التاريخي فمدنا بقراءات نقدية عالج من خلالها العديد من القضايا بأسلوب الشك مزاوجا في نقده بين المناهج الغربية وأساليب المستشرقين فتعامل في كتابه مع التاريخ واللغة والشك والنقد ولقد تبين لنا هذا المنهج التاريخي من خلال بعض القضايا المتصلة اساسا بنوعية القراءة النقدية لديه وهي قراءة منبثقة من مفهومه للنقد
فما هو مفهوم النقد عند طه حسين؟
حدد طه حسين مفهوم النقد فقال
“والنقد قاض ماضي العزيمة لا يعطيني هوادة في حق ولا يعدل خطأ بصواب يحسبه الناس قاسيا وهو لين ويظتونه جائرا وهو منصف ويقولون انه ظالم وهو عادل قاض لا يرضى من الشاعر إلا أن تجتمع له خلال من كن فيه فهو إلى الشعر دعي وفي الأدب دخيل،”
(جريدة العلم 24 فبراير 1911 كان ذلك في معرض نقده للشاعر حافظ ابراهيم حيث جعل مقدمة تحدث فيها عن وظيفة النقد الأدبي والصفات التي يجب أن يتسم بها الشاعر المبدع)
وهذا المفهوم الذي، قدمه طه حسين للنقد والناقد،ينطوي،على موقف حازم من الناقد والأديب والشاعر ذلك ان الناقد الفذ في رأيه هو الذي يقر الحقائق ويدافع عن الفن عن تبصرة ليكشف ما في الآثار الفنية من جمال او عيب ليحدد كما قال :”ما فيها من حق يجب أن يبقى وباطل يجب أن يزول” ( حديث الاربعاء ج3 ص 81)
وفي،سبيل ذلك يلقى الناقد ما يلقى من ضروب الأذى ورغم ذلك لا بد من النقد لما فيه من خير للأديب والقارئ فقال :” قلت إن النقد صناعة ليست باللذيذة ولا المحببة إلى النفس فهي تكلف الناقد ضروبا من المكروه والوانا من الألم قد كان يستطيع أن يستغني عنها لو صرفه الله عن هذه الصناعة، ولكنها مع ذلك صناعة نافعة أو قل لازمة او قل لا حياة للأدب بدونها ولا قوام له من غيرها فنحن مضطرون إلى أن ننقد ونحن إذا مضطرون إلى أن نتحمل الأذى ونتعرض، للمكروه في سبيل هذا النقد ولست أخشى أذى خارجيا او مكروها يلقاني من الكتاب أو المؤلفين “( حديث الاربعاء ج 3 ص 72)
وازاء ما يتكبده الناقد من ردود أفعال غير، محدودة سعى” طه حسين ” إلى تصحيح الفهم الخاطئ، للنقد عند الناس فقال
” الناس يفهمون النقد فهمين متناقضين تناقضا شديدا وكلاهما خاطئ سيء الأثر فمنهم من يفهم النقد حمدا خالصا وثناء طيبا وتقريظا من غير تحفظ والنقد عند هؤلاء ضرب من المدح يقصد منه ترويج الكتاب واذاعة أمره ورفع صاحبه بين الناس ومنهم من يفهم النقد على أنه طعن وقدح وتجريح ودلالة على السيئات فهو يكرهه ويكره أصحابه ويكره الكتب حتى لا يتعرض إلى ألسنتهم وأقلامهم “
(حديث الاربعاء ج 3 ص 80)
وإذا كانت العلاقة بين الناقد والمبدع لا تخلو من حرج فإن النقد يبقى ضرورة لأن العلم والأدب في حاجة اليه ولذا فعلينا على حد طه حسين” ان نقدر العلم قدره وتؤمن بأن لا قوام للعلم بغير النقد ولا أكاد، أفهم ان رجلا يستحق أن يوصف بأنه عالم او أديب أو من طلاب العلم والأدب إذا لم يكن يقدر النقد وحاجة العلم والأدب إليه” ( حديث الاربعاء ج 3 ص 81)
إن النقد عند طه حسين مرتبط، وثيق الارتباط بالتمحيص في سبيل إقرار الحق ودحض، الباطل وهو إذا مثلما أكد :” حاجة طبيعية لكل حركة علمية او أدبية أو فنية ولكن النقد لا خير فيه ولا نفع منه إذا لم يكن حرا من كل قيد من هذه القيود، المنكرة التي تحول بين، النقاد وبين أداء واجبهم على وجهه يجب ألا يتقيد النقد بالمجاملة وما إليها فقد تكون للمجاملة أوقاتها، ومواضعها ولكنها اشد الأشياء منافرة للعلم” (حديث، الاربعاء ج 3 ص 82)
واذ يصر طه حسين على أن لا مجاملة في النقد فإنه يبدو اشد الحاحا على حرية النقد لأن الحرية تمكن الناقد من أداء، وظيفته على أكمل وجه” فلا خير، كما قال في النقد اذا لم يكن حرا ” ( حديث الاربعاء ج 3 ص 82)
( يتبع.)
# (الدكتورة الشاعرة والناقدة مفيدة الجلاصي)
