الجزء 4 /
..يتابع موقع ” ميزان الزمان ” نشر الدراسة الأكاديمية الهامة ( حصريا ) للدكتورة الباحثة والشاعرة التونسية مفيدة الجلاصي .
وهنا الجزء الرابع من بحث الدكتورة جلاصي الذي حمل عنوان ” خصائص المنهج النقدي عند عميد الأدب العربي الكاتب المصري طه حسين :
… لقد عمد ” طه حسين ” إلى درس، مميزات الحياة الأدبية في العصرين الأموي، والعباسي درسا مفصلا كما يقول ليطلع، الناس”على دقائقها وأسرارها لأني اعلم ان حياة القدماء كلها ملك للتاريخ وأن درس، هذه الحياة كلها نافع للمؤرخ والأديب بل واجب عليهما” (حديث الاربعاء ج 1 ص 7)
وإذا ما تتبعنا تاريخ كتابة الأحاديث فإننا نجد ان “طه حسين” قد ابتدأ باحاديث الجزء، الثاني المتعلقة بالعصر العباسي وفيها تحدث عن القديم والجديد وعن شعراء ابمجون وأتبع تلك الأحاديث بأحاديث عن العصر الأموي وعن شعر الغزل والغزليين وتقع أحاديث هذا القسم بين سنتي 1922 و 1928 وهي مرحلة هامة في مسيرة ” طه حسين” الأدبية وبالذات مسيرته النقدية لأنه كان يسعى انذاك إلى طرح رؤيته النقدية للأدب العربي لذا كان يحاول طرح، قضايا اعتبرها أساسية فغلب على طرحه الطابع التحليلي الهادف إلى الإقناع بأطروحته مثلما فعل في قضية القديم والجديد وقضية ابمجون والغزل والغزليين
وعبر هذه القضايا سعى حثيثا إلى توضيح العلاقة في الصراع الذي، خاضه هو نفسه مع الفكر التقليدي والاتجاه المحافظ في مصر فقد دارت عدة مناقشات بين “طه حسين” و”مصطفى صادق الرافعي”
و”، سلامة موسى” و” رفيق العظم” حول قضية القديم والجديد في الأدب واعتير “طه حسين” تلك المناقشات، خصومات أدبية بين من خلالها اختلاف المواقف والاراء من عدة قضايا تصب في القضية الام وهي القديم والجديد كقضية الملاءمة بين اللغة والحياة وقضية الأسلوب والذوق الأدبي ومفهوم النقد الأدبي (انظر حديث الاربعاء ج3 ص ص 10/36)
ولعل “طه حسين” قد تعمد الإشارة إلى الأسس التي قامت عليها قراءته للادب القديم ليدفع النقاد إلى مزيد البحث وإعادة القراءة لذلك آثار قضية “الشك” في بعض الشعراء مثل “قيس بن الملوح” أو “مجنون بني عامر” وأهمية تمثيل الشاعر لعصره مثل “عمر بن أبي ربيعة”
و” أبي نواس”
ومسألة تمثيل الشاعر لعصره تؤكد لنا مدى اهتمام طه حسين بالمنحى التاريخي للنص الأدبي، العربي لأنه كان ” يبحث في النص الأدبي عن العناصر التي ظن بأن التاريخ الأدبي الأوربي قد اعتمد عليها في إعادة بنائه بناء صحيحا يقوده في كل ذلك إيمانه بالتشابه الموجود بين الأدب العربي والأدب اليوناني” (انظر : أحمد بو حسن : الخطاب النقدي عند طه حسين ص 102)
ولقد أكد ” طه حسين ” نفسه على هذه العناصر التاريخية في النص الأدبي على اختلاف انتماءاته الحضارية فقال في حديث، الاربعاء ج1 ص 178″ ” وحملة القول أن بين العرب والرومان من جهة وبين الفرس واليونان من جهة أخرى تشابها شديدا انتصر، العرب، على الفرس انتصارا عسكريا وانتصر الفرس، على العرب انتصارا ادبيا وكذلك انتصر الرومان، على اليونان، انتصارا حربيا وانتصر اليونان على الرومان انتصارا ادبيا وكان مظهر هذا الانتصار الأدبي، في، روما وفي، بغداد، واحدا وهو أن اليونان، والفرس، أخذوا الرومان والعرب بادابهم وحضارتهم ولم يكتفوا بذلك بل عبثوا بالآداب اللاتينية والعربية، فأدخلوا فيها وأضافوا إليها ما لم يكن لها به عهد وكذلك صنعوا بالأنساب وكذلك فعلوا بالتاريخ والسير إذن من الحق علينا أن نشك في أخبار هؤلاء الرواة حين يروونها واثقين وان نبالغ في الشك، حين يروونها متحفظين وان نشتد في المبالغة حين نراهم يختلفون فيما بينهم في أمر ابمجون”( حديث الاربعاء ج 1 ص 178)
ولعل هذه النظرة المعتمدة على الشك كانت وليدة تأثر طه حسين بابن خلدون الذي كتب عنه رسالة نال بها درجة الدكتورا من السربون بعنوان Étude Analytique de la, philosophie sociale d Ibn Khaldoun وقد ترجمها” محمد عبد الله عنان ” بعنوان” فلسفة ابن خلدون الاجتماعية” ( مطبعة الاعتماد ضمن منشورات لجنة التأليف، والترجمة والنشر /القاهرة، ط 1 /1925
وهذه النظرة جعلته يومن بقانون التشابه وقانون الاختلاف بين الناس فقال في ” حديث الاربعاء ج2 ص 389″ يجب أن نفهم هذين القانونين وان نحسن الملاءمة بينهما وان نعرف فيما يختلف الناس وفيما يتشابهون وما أثر هذا الاختلاف وهذا التشابه ونحن إذا فهمنا هذين القانونين وعرفنا ان العصر العباسي كان كغيره من عصور المجد والحضارة فيه جد وهزل وفيه شك ويقين، “
(يتبع)
# ( الدكتورة الشاعرة والناقدة مفيدة الجلاصي)