رواية قاسم قاسم” رجل يفتش عن حاضره”
ربما شخصيتان روائيتان لشخصية واقعية واحدة
كتب د. اسماعيل الأمين :
يطالب الروائي الفرنسي-التشيكي ميلان كانديرا Milan Kundera بعقد اتفاق بين الروائي و القاريء منذ الجملة الأولى.
هذا ما فعله الروائي الشهير قاسم قاسم ملتزما اتفاق الصراحة الكاملة والجريئة منذ الجملة الأولى حيث أوضح على الفور أنّ عصام بطل الرواية أسمه حسب الهوية طارق وأنّ زملاءه ” أطلقوا عليه إسم عصام لأنه عصامي ولم يتغيب أو يشتكي لحظة واحدة”. وقد أمعن في الصراحة حدّ اعتماد العامية في معظم المفردات لأن المعاني في الفصحى تحتمل اللبس والتنويع في المرامي. بل أبعد من ذلك ، اعتمد على أصدقاء له في ترجمة المفردات إلى عاميات مناطق ومدن شخصيات الرواية ، وهي، كما يشير في الصفحة الأخيرة، العكارية اللبنانية، الشامية و الحمصية السورية. مع ذلك يضع عنوان الرواية ” رجل يفتش عن حاضره” .
القاريء في لبس لا شفاء منه حتى الجملة الأخيرة. الحاضر حاضران : الشخصي و الموضوعي.أي طبيعة حضور الشخص و طبيعة حضور الأحداث وتعقيداتها في تكوين و تتطور شخصيات الرواية.

حاول الكاتب أكثر من مرة حلّ هذا اللبس ، حين تسأل المرأة الرئيسية في الرواية البطل الرئيسي:
– برأيكَ أي أصعب الحاكم الظالم أم دولة الخلافة؟ (أي!وليس أيهما ألتزاما بالعامية) .
قد لا يتضح هل نحن بصدد حاضر شخصي أم حاضر موضوعي. لكن همّ المفاضلة بين الحاكم و الدولة يضعنا أمام حالة أخرى حالة الحضور و هي تستمر طوال الرواية التي تدور احداثها حول شخصيات تعايش دولة الخلافة مرة من الداخل و معظم الأوقات من الخارج. أي تمكن الكاتب من عقد مصالحة بين سجينة دولة الخلافة و سجانتها.
لكن حالة الحضور بين الحاضرين تعود لتنفجر من جديد حين يتبادل بطلا الرواية – وهما الآن زوجان حبيبان – الأخبار حول النظام والدولة. هي تروي قصصا قاسية و فظيعة حول التعذيب الذي تقشعر له الأبدان. وهو يخبرها عن نسوة يجرهن داعش كأنهن قطيع أغنام، أو طفلة تبكي في حضن أمها التي قتلها الركام.
رواية حاضر شخصي في ظل دولة الخلافة و النظام الظالم بحيث يكون الحضور بحثاً عن حاضر شخصي في حاضر مفروض و في حاضر آخر بعيدأ عن الجميع إنما تحت مؤثرات الجميع.
كاتب الرواية د. قاسم قاسم
وتكبر المأساة مع مرض الزوجة وتفاصيل حالة تبدو خاصة بهذه الرواية و هذا الكاتب بحيث لا يمكن الجزم بأنها وجدت في رواية أخرى. كثيرا ما تحدثت الروايات عن مرض الزوج ومعاناة الزوجة خلال المرض و بعد الوفاة، لكننا لم نعرف رواية حول مرض الزوجة و معاناة الزوج خلال المرض وبعد الوفاة. بل في رواية ” رجل يفتش عن حاضره” تتجدد الماساة مرتين ومع زوجتين.
وخلال مرض الزوجة الأولى يقع الزوج في اشتهاء صديقتها التي كانت تساعده في عيادتها. ويتزوجها بعد وفاة الزوجة جراء حبه لها، و ربما اشتهائها الذي طال امده خلال مرض الزوجة التي أوصت الصديقة و الزوج بضرورة الزواج. لكن أشتهاء الصديقة بدا على درجة مما يمكن وصفه بالتخلف في النظرة إلى المراة. فهو يشتهيها لأن جسد زوجته المتداعي لم يعد يثير أهتماهه. ولا عجب فنحن في نظام ظالم وفي دولة الخلافة.
في النهاية ، رواية رائدة في حاضرالكاتب الموضوعي و حاضره الشخصي وحضوره المتدهور في الحاضرين.ولا ندري مدى حضور زوجة الكاتب المريضة حقيقة في شخصيات الزوجتين الصديقتين في الرواية واللتين يمكن أن تكونا شخصيتين روائيتين لشخصية واقعية واحدة.
رواية” رجل يفتش عن حاضره” رواية جميلة جذابه قاسية. ولا عجب فصاحبها قاسم قاسم يتربع فوق ثلاث عشرة رواية. والحبل على الجرار..إنه نجيب محفوظ بيروت المعاصرة.
( رواية ” رجل يفتش عن حاضره ” للكاتب د. قاسم قاسم صدرت مؤخرا عن دار بيسان في بيروت )
الكاتب د. اسماعيل الأمين