حنين البساتين
” هكذا الألوان دربي/ هكذا في خاطري/ تجري الينابيع/ هكذا أحبك”.
بداية، هي فرصة أتاحتها قصائد هذة الديوان الشجية، لأوجه تحية قلبية خالصة، إلى كل منتدى أو ملتقى، يجمع الكتاب والأدباء والشعراء والمفكرين والباحثين. يؤلف بينهم، على دروب العطاء المستدام، إلى حين الرحيل الأخير. وبيدر الحب يعمر في الدفاتر الشجية.
” هكذا يأتي الحصاد/ أنزل “العين”/ أقطف الساقية”.
أراني في هذا المجال، أحيي الجهود الدؤوبة، لدى راعية منتدى شاعر الكورة الخضراء، عبدالله شحادة الثقافي، الأديبة السيدة ميراي شحادة، لإصرارها الدائم، على شحذ القرائح. وعلى نشر إبداعاتها، على قاعدة: دعوا الورد يتفتح. دعوا الدرب تمتلئ بالورود.
” في آخر النهار/ إمرأة راجعة/ من صيفها/ في آخر الحقول”.
كل يوم، نرى وردة تتفتح، بين يدي ميراي شحادة. تسقيها من نبعة القلب والعينين. وتحبو عليها، فرحا وبشرى.
” أول الحب آخر/ القناطر/ آخر الحب أول/ الأشجار”.
“عين البستان: ناجي يونس. منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحادة الثقافي”.
هو واحد من الأعمال الكثيرة التي رعتها السيدة الكريمة المعطاءة، ميراي شحادة، وأنفقت عليها بسخاء، حتى جلتها عرائس أدب وشعر. ولا يشذ هذا الديوان الذي بين يدينا، عن قوانين النشر، التي وضعتها السيدة ميراي للمنتدى. فبين دفتيه، حب وشوق وذكريات حميمة. تصقل أوراقه الهفيفة، كل ما كان يعج به صدر الكاتب النبيه، إلى الأحاسيس الدفينة. يخلدها بقصائده الرقيقة، حتى لا تضيع بين أوراق العمر.
“إمرأة أنتظر عودتها / في موسم الأنسام/ إمرأة زنبقة/ أقرأها في دفتر النساء/ أو في دفتر/ الأزهار”.
بين الجلول والكروم، وفي دروب عين البستان، ترى الشاعر ناجي يونس يخطر بخواطره الصافية كجداول الماء. يترقرق ويرق، كلما عبرت به غيمة صافنة. وكلما تناهت إلى مسمعه الزقزقات. يشدو مع الحساسين، ويعيد تأليف موسيقاه، غب كل صباح. أليس الشاعر يزقو كما الطير للماء حين يلوح له من بعيد. أو حين يقع عليه من قريب.
” تحرس العصافير/ حقلها البري/ وتقطف الأشجار/ مواسم يديها”…
ناجي يونس، ابن قرية دارشمزين في الكورة الخضراء، ربيب الحقول والكروم والجلول والبساتين. ربيب بيوت الخير الكريمة. يأتيها على غير هدى. ويرنو لها. يرف فوقها بجناحين من نثر ومن شعر، ثم يغرد لها كما البلبل والحسون، في الصباحات الصافية.
” هناك في الغروب لن أصل إليك
ذهب الوقت
ذهب الحب
غيمة الشوق صارت
غيمة للوداع
دمعة للفراق”.
ديوان عين البستان، فيه من الشعر، عيونه. شذاه. حبه. رقته وصفاؤه. هو من نسيج شاعرية رقراقة، تسمع رقرقتها وقهقهاتها، حينما تتناول أشعارها، مع كاسات ماء القلوب، المليئة بالشجى والعطر. تشرق الحناجر بالذكريات وبالحنين وبالحب الدفين، فتنهد اللواعج وتبرق الخواطر ويلذ لك ندب الماضي يوما بعد يوم، كما حكحكة قشرة جرح قديم حتى تساقط.
” على مائدة شفتيك/ أقيم وليمة الحب/ أكسر من خبزك/ وأشرب/ لآخر الدهور”.
ناجي يونس، في ديوانه عين البستان، لا ينوح ولا يندب، وإنما تراه يبوح، كما المساء. وإنما تراه يصحو، كما الصباح. يعرض علينا شمسه، حين كان صغيرا يلعب بدفاتر الشمس، ويصب عليها ماء النهر. ويغرقها في قلبه، حتى لا تستطيع الهروب من عبه. يريدها أن تبقى دوما في العباب، مهما طال به ليل الغياب.
“فراشة فستانها كالساقية/ أخذتها الريح صوب الأودية/ فراشة الحب ضاعت/ أخذها العطر/ إلى برية عينيك”.
ناجي يونس، يسهر ليله كله، يلاعب الكلمات. يلعب بها، كما عادة الشعراء. يؤانس المجالس ويطرب للهمس. وللهمسات. يعتد بنفسه، أنه وريث الشعراء كلهم. وريث الطير. وريث “عين البستان”. إختصها لنفسه. حملها تحت إبطه وهرب بها ألى وسادته، يسهر معها، كلما آلمته الذكريات.
” إمرأة تسكنها الجبال/ والأودية البعيدة/… تهتف الأزهار عند مجيئها”…
ديوان “عين البستان” ، لناجي يونس، هو أكثر من حقل ورد. ناف به على الشعراء أقرانه، حين طاف به، بين أهله وإخوانه. وبين الحقول والينابيع. وحين تسلق به الهضبات والوهد. وحين نزل به إلى المدينة، يفي ديونه.
ما هذة العاطفة الرقية التي يناجي به بناته، في ديار الغربة. ما هذة الروح التي يلوح بها في الملتقيات الشعرية.
” خرج النبع إلى/ موعد الحساسين/… قرأت ما كتب النبع…/ عن حبه للساقية”.
ناجي يونس، أكرم به شاعرا، يبذ أقرانه بالعاطفة الجياشة. فهنيئا له، بأياديه في الشعر وفي العطاءات وفي المواقف، وفي الأماسي الرقراقة، عند “عين البستان”. تبعث عنده رسائل حنين البساتين ورائحتها الشذى. وهنيئا، لمنتدى شاعر الكورة الخضراء، عبدالله شحادة الثقافي، الذي، أتاح لأهل الشعر، أن يروا “وليدهم”/ ديوان عين البستان يبصر النور، في الليلة الداجية.
” فيحاء أنت العود والعواد/ والعرس ترسك والدنى أعياد/ ياإبنة التاريخ أنت غادة/ يحلو المديح بحسنها ويعاد”.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
الكاتب والناقد د. قصيّ الحسين