” الطّوفان “
قصيدة للشاعرة سليمى السرايري
-×-×-×-×-
كَتَبْنَا عَلَى رُفُوفِ اَلْمُدُنِ
عَلَى جُدْرَانِ اَلشَّوَارِعِ اَلْحَزِينَةِ
عَلَى شَبَابِيكِ اَلصَّمْتِ وَفِي ثَنَايَا اَلصَّرَخَاتِ البَطِيئَةِ
أَسْمَاءَ كُلِّ اَلَّذِينَ زَيَّنُوا وَجْهَ اَلسَّمَاءِ
وَدَوَّتْ حَنَاجِرُهُمْ عَالِيًا فِي لَيْلِ اَلْبِلَادِ
رَسَمْنَا خُطُوطًا حَمْرَاءَ عَلَى خَارِطَةِ اَلطَّرِيقِ
وَعَلَى طَائِرَاتِ اَلْأَطْفَالِ اَلْوَرَقِيَّةِ، اِحْتَفَظْنَا بِمَلَامِحِ االبَرَاءَةِ
وَمَوَاعِيدِ اَلشَّايِ فِي سَاحَةِ بَيْتٍ عَتِيقٍ
كَانَ يُغَازِلُ بَيْتًا آخر فِي الطَّرَفِ المُقَابِلِ.
اِحْتَفَظْنَا بِكُلِّ مَا كُتِبَ تَحْتَ أَسْوَارِ اَلْمَدِينَةِ
وَنَثَرَنَا عَلَى قِبَابِ اَلْقُدْسِ دُمُوعَنَا
وَعَلَى أَبْوَابِهَا اَلْعَتِيقَةِ رَسْمَنَا بِكُلِّ اَللُّغَاتِ
صَرَخَاتِنَا اَلْمُعَبِّئَةَ بِالْأَنِينِ
اَلْمُعَبِّئَةَ بِالْجَنَائِزِ
كَفَى لِطُغْيَانِكُمْ اَلْمُسْتَبِدِّ
كَفَى لِرُكَامِ مَنَازِلٍ شَاهَدَتْ اِحْتِرَاقَ اَليَاسَمِينْ
وَعَالَمِ أَوْجَعَتْهُ جُثَثَ رِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَأَطْفَالٍ
كَانُوا بِالْأَمْسِ هُنَا يَسْأَلُونَ اَلشَّبَابِيكَ عَنْ مَواعِيدِ اَلشَّمْسِ،
وَمَوَاعيدِ اَلْحُبِّ.
كَفَى لِذَبْحِ أُمَّتِنَا
مِنْ اَلْوَرِيدِ إِلَى اَلْوَرِيدِ
هَا جَاءَكُمْ اَلطُّوفَانُ لِيَرْكُدَ فِي أَرْوِقَتِكُمْ
لِيَفِيضَ سُمُومًا مِنْ ذَاكِرَةِ خَسَارَتِكُمْ
لِيَمْتَدَّ أَفْعَى تَتَرَبَّصُ بِأَيَادٍ احْتَدَّتْ ضَرَبَتْ وَقَتَلَتْ.
جَاءَكُمْ اَلطُّوفَانُ، مَوَاسِمُ قُوَّةٍ وَغَضَبٍ
حِجَارَةٌ وَنَارٌ مِنْ لَهَبِ هُيّأَتْ مِحْرَقَةً لَكُمْ
وَنَحْنُ مَازِلْنَا نَرْفَعُ رَايَتَهَا فِلَسْطِينُ
فَانُوسَ أَمَلٍ لَا يَخْبُو
فَكَيْفَ أَنْتِ اَلْآنَ يَا قُدْسٌ؟
مَاذَا حَلَّ بِضَفَائِرِكِ اَلذَّهَبِيَّةِ
وَمَاذَا حَلَّ بِطُهْرِكِ اَلْمُنَقَّطِ عَلَى وُجُوهِ اَلصَّبَايَا
وَمَاذَا حَلَّ بِوَجْهِكِ اَلْمُنَمَّشِ بِالْأَوْجَاعِ وَالْمَوْتِ
وَمَاذَا حَلَّ بِأَجْسَادِ أَبْنَاءَكَ اَلْمُلْقَاةِ فِي اَلسَّاحَاتِ
عَرَايَا تَحْتَ شَمْسِ اَلْبِلَادِ
تَرْكُلُهَا أَقْدَامُ اَلْأَوْغَادِ؟
هَا أَنِّي أَرَى رِجَالاً يَحْمِلُونَ اِسْتِشْهَادَهُمْ
تَحْتَفِي أَرْوَاحُهُمْ بِوَلَائِمِ اَلنَّصْرِ فِي اَلسَّمَاءِ اَلثَّامِنَةِ
زَيْتُونًا يَنْحَنِي لِأُمٍّ تَبْتَسِمُ قَبْلَ اَلرَّحِيلِ بِقَلِيلٍ
وَتُرُبِّتُ على خدّ طفلتها بيدِ مُمَزَقَةٍ
أَرَى لَيْلَ اَلْمَدِينَةِ رَاكِضًا
يُعْلِنُ مَوْلِدَ فَجْرٍ وَلِيدٍ
وَيُهَيِّئُ لِلْأَطْفَالِ أَحْلَامَهُمْ الجَدِيدَةَ
يُعِيدُ لَهُمْ طَائِرَاتِهِمْ اَلْمُلَوَّنَةِ
وَيُوَزِّعُ اَلضِّحْكَاتِ عَلَى وُجُوهِ أُمَّهَاتٍ
نَسِينَ ” اَلْبَيْت وَحِيدًا “
وَنَشَرْنَ أَحْزَانُهُنَّ عَلَى سُقُوفِ اَلْمَنَازِلِ
كَيْ تَطِيرَ مِثْلَ اَلْحَمَامِ فِي سَمَاءِ اَلْبِلَادِ
أُمَّهَاتٍ رَقَصْنَ فِي دَهْشَةِ اَلْمَوْتِ
عَلَى أَرْصِفَةٍ، ظَلَّتْ تَنْتَظِرُ بِدَوْرِهَا
فُسْحَةً لِلْأَنَاشِيدِ.
سليمى السرايري
تونس
الشاعرة سليمى السرايري
Congratulations to you all for the great achievement 🌹
نص متحرك. لغة تتنفس.. والمعنى حبل يتأرجح بين الناص ونصه وقارئه…
شكرا لتفاعلك وتعقيبك دكتور مراد الصديق الرائع