أناي – الجزء 6 : غياب
سألتُها ما بكِ ؟ قالت دعيني وشأني أرجوكِ .
علاقتنا مُركّبَةٌ جداً حدّ التَّعقيد وكأنّنا من جِيلَينِ مختلِفين .
هكذا نحن أنا و أنا ، نكتُمُ سِرَّنا ، لا نُفصِحُ عنهُ لأحدٍ ، حتى لأنفُسِنا وإن حاولنا الغَوصَ فيه تجِدُنا وقعنا في حُفرةٍ عميقةٍ نحن نَصَبناها وبنَينا حولها سياجاً مخفِيّاً في أرضٍ قاحلةٍ …
ولكن ، من يأبَه لأسرارنا ؟
ترانا نعلق في تلك الحُفرةِ كمن وقع وسط كُثبانٍ سحيقة العُمق . نحاول جاهدين الهرب منها لكنّنا نغرقُ أكثر وأكثر . ثُمّ وأخيراً نستسلمُ راضين ، إمّا يأساً وإمّا تسليماً بالقَدَر …
هكذا نحن ، أنا و أنا … نقعُ أحياناً في غيبوبةٍ عُراةً ، حافي القَدَمَين …
مرحلةٌ نرتاح فيها من رائحة الغُبار الذي يعلو رُفوفَ ذاكرتنا . نبتعد عن الواقع الذي خلَّفَتهُ أحزاننا متمسِّكينَ بتفاصيلَ لا نريد أن يراها أحد ، مُبتعِدينَ عن عالم الأوهام الورديّة حيث نرى الأُمور على حقيقتِها . نتمرّدُ على التَّقاليد . نذهبُ إلى عالمٍ من الجمال والشَّغَفِ وكل ما يتعلّقُ بالشّمس السّاطِعة و صَوت السّماء …
غيبوبةٌ قد تعني المَنفى للبعض ، لكن لو كانوا مكاننا لكانوا أكثر حذَراً في استعمال كلمة منفى . فمن يعرف معنى و ثمن الغيبوبةِ لا يُعطيها هذا الوَصف …
طالَ الوقتُ أو قَصُر ، الّلحَظاتُ الأخيرةُ من كلِّ غيبوبةٍ تفتحُ باباً جديداً عريضاً في الذّاكِرة …
بابٌ قد طال إغلاقُه . في ذلك الباب ، تظهرُ الصّورةُ النّاصِعَةُ الّتي ينبعثُ منها النور …
( جمانة السبلاني )