الحزء،الثالث من مقالة الدكتورة مفيدة الجلاصي حول ” التذوق الابداعي في النص النقدي ” وحملت عنوان :
” التوليد الابداعي في النص النقدي” ..
ان استحداث المعاني الادبية يعتبر توليدا وانتاجا يقوم بهما الناقد بعيدا عن ” مفهوم المحاكاة” الذي بات مفهوما تقليديا انه ولا شك يتحول من القراءة” قراءة النشأة ” قراءة ” التقبل” على حد تعبير ” حسين الواد” فالاديب لم يعد يحاكي النص في انشائه الواقع وانما هو يخلق عالمه وكذا الشأن بالنسبة إلى القارئ الناقد الذي لم يعد هو ايضا يتعامل مع النص الابداعي بنظرة ضيقة اساسها المنهج البلاغي المحدود بل بات يبحث عن معان جديدة يولدها من ذلك النص لم تكن لتخطر على ذهن المؤلف المبدع ” وفي هذا الإطار إطار استنطاق النصوص عن اسرارها بلغت الابحاث شاوا بعيدا مت العمق وأعطت نتائج ذات بال في فهم الظاهرة الادبية ” كما قال ” حسين الواد ” .
هكذا تمادى الشكلانيون والهيكلانيون اللغويون في مساءلة النصوص عن اسرارها الادبية وانتبهوا الى ان ” النص الادبي ليس ادبيا بمعناه أو فحواه وانه ليس كذلك من حيث نشاته وما يتدخل فيها من مؤثرات وانما هو أدبي بحكم ” صياغته” و” اسلوبه” و” طريقته” ووظيفة اللغة فيه” واتفق هؤلاء وهم يقرؤون النصوص الادبية على ان النصوص الخلاقة هي تلك الزاخرة بالمعاني بل ” ان الاثار الفذة هي تلك التي تتحمل عددا لا يحصى من التاويلات بفضل ما في خصائصها الصياغية من كثافة خلاقة ” كما اكد ” حسين الواد..
هذه التاويلات التي لا يمكن احصاؤها في قراءة النصوص الادبية تصرف القارئ العادي عن الاهتمام بالمبدع الاصلي الى التركيز على ما يقدمه الناقد من معان يخلقها باعتباره قارئا مبدعا ويغدو حينئذ ” مفتاحا للبحث في الآثار الادبية فالاثار الادبية التي تستمر وتخلد انما تستمر وتخلد لانها تظل قادرة على تحريك السواكن وعلى احداث رد الفعل وعلى اقتراح التاويل ياتيها الخلود وتحظى به لانها تظل فاعلة في القارئ محركة له” ..
على انه لا يجب الاستماتة بفعل القراءة الذي لا يعتبر عملا بسيطا لان ” القارئ المبدع” لا يقدم قراءة تقبلية ذات خطاب سلبي همه البحث عن معنى النص كما هو في ذهن الكاتب ” وانما هي فعل خلاق يقرب الرمز ويضم العلامة الى العلامة وهي سير في دروب ملتوية جدا من الدلالات نصادفها حينا ونتوهمها حينا فنختلقها اختلاقا” على حد تعبير ” حسين الواد” الذي يرى أن القارئ وهو يقرأ يخترع ويختلق ويتجاوز المكتوب امامه ..
هكذا تصير القراءة عملا معقدا لا يتقنه الا ذوو الكفاءة الادبية الذين يدركون ” ان الأثر الأدبي لا يكتب ولا يبرز للوجود إلا موصولة بالقراءة إذ القارئ هو الذي يخرج بالاثر من حيز الوجود بالقوة الى حيز الوجود بالفعل”(انظر Joseph Jurt:”La réception de la, littérature par la, critique journalistique Éd Jean Michel Paris 1980 p 24)..
ويصبح “الإنتاج الأدبي” عملية أساسية في عدم الفصل بين القراءة والكتابة اي بين المبدع للنص، وناقده لأن “الأثر الأدبي لا يوجد مكتوبا إلا على اتصال بقارئ أو بقراء متعددين” (حسين الواد “قراءات في مناهج الدراسات الادبية ص 71)
كما أن الإنتاج الأدبي كما بين الباحث” جوناثان كولر” “يبقى مرتبطا بمسألة البلاغ الأدبي لأن اقتراب الكاتب من القارئ هو الذي جعل البلاغ الأدبي يصل مثلما انطلق دون تحريف أو تغيير، فالصوت هو الصدى وكأن المعنى من ذلك موحد في البث موحد في التلقي” (جوناثان كولر “الكفاءة الادبية” ترجمة علي الشرع ص 64)
ويتبن لنا هنا أن البلاغ الأدبي يبقى مرتبطا بقدرة الناقد الأدبي على أماطة اللثام عن نص آخر داخل النص، الأدبي فهو يتولى فك الرموز التي تتوارى، داخل النص المبدع فيقبض على معان جديدة يصبح معها مبدعا آخر لنص، جديد بما اكتسبه من كفاءة أدبية نقدية منتجة للدلالات وبناء على ما سبق فنحن نتساءل :”هل يجب أن يعول كل ناقد على ما لديه من وسائل وإدوات تحليلية في الإقناع عند تناوله بالنقد للنصوص، الأدبية ؟
(يتبع)
# (الدكتورة الناقدة: مفيدة الجلاصي/ تونس )