نظرية الشك عند طه حسين
ترتبط نظرية الشك عند “طه حسين” في رأينا بمسألة طريقته في قراءة النصوص الأدبية القديمة والجديدة وتقبلها او التعامل معها وتلك مسألة متعلقة بمنهجية “طه حسين” في نقد تلك النصوص وتحليلها وتقويمها،فقد تأثر، مثلما أكدنا في الأجزاء، السابقة في دراساته النقدية بالمناهج الاوروبية التي “تمنح الذات المبدعة في بعديها الفردي والاجتماعي مكانة كبيرة وهي تسعى إلى إبراز أثر الوسط الإجتماعي في الإبداع الأدبي وترمي، إلى فهم العبقريات الفذة في صلتها بروائعها الأدبية” (انظر حسين الواد :”قراءات في مناهج الدراسات الأدبية ص 40)
ثم لا يفوتنا ان” طه حسين” وأصحاب الديوان ونعيمة قد أقاموا ثورة على المنهج البلاغي في النقد وكان “طه حسين” كما قال حسين الواد “من أبرز الوجوه التي حملت لواء التمرد على النقد البلاغي” وقد تلك الحملة معبرة عن ثورته على المناهج العقيمة في نقد الأدب ودراسته في رأيه، كالمتهج الانطباعي الذوقي والمنهج التاريخي وعبر عن ذلك بقوله ” إن الذين عاصروا أبا نواس وجاؤوا بعده من الأدباء والشعراء وائمة اللغة لم يكن لهم في النقد مذهب معروف او خطة واحدة إننا نستطيع، أن نقول إن أدبنا العربي يخلو أو يكاد من النقد الصحيح خلوا تاما” ( انظر حديث،الاربعاء ج2 ص/ص 50/51)
والنقد الصحيح الذي يقصده “طه حسين ” هو الذي يقوم على منهج معين وهو منهج عرفه بقوله” الام تقصد إذا عرضت لشاعر من الشعراء وأردت أن تقرأ شعره وتفهمه ثم تنقده تقصد فيما أظن إلى أشياء :الأول :أن تصل إلى شخصية الشاعر فتفهمها وتحيط بدقائق نفسه ما استطعت والثاني: أن تتخذ، هذه الشخصية وما يؤلفها، من عواطف وميول وأهواء وسيلة إلى فهم العصر الذي عاش فيه هذا الشاعر والبيئة التي، خضع لها هذا الشاعر والجنسية التي نجم منها هذا الشاعر فأنت لا تقصد إلى فهم الشاعر لنفسه وإنما إلى فهم الشاعر من حيث هو صورة من صور الجماعة التي يعيش فيها”( حديث، الاربعاء ج 2 ص 52)
لقد وضع” طه حسين ” أساسا لنقده وهو” المنهج الديكارتي ” المعتمد على الشك، سبيلا لدراسة النصوص، الأدبية ونقدها وحاول تطبيق هذا المنهج في دراساته الأدبية لا سيما في كتابه” في الشعر الجاهلي ” 1926 فوقف موقف الشك من الروايات والأحكام ورفض، النظريات القديمة وبرأ دراسة الأدب من العوامل العصبية والمذهبية ولفت النظر الى نحل الرواة ووضع النحاة وتكلف القصص واختراع المحدثين والمحدثين والمتكلمين ونادى بوجوب إعادة النظر في دراسة الأدب القديم وألا نقبل منه شيئا الا بعد الروية والتأمل والتثبت والتحقيق لذلك جعل الشك، وسيلة لتعقب، صحة النصوص،الشعرية المنقولة عن شعراء معينين في “حديث الاربعاء” فكان منهجه في رصد حياة بعض، الشعراء عندما تعوزه الأدلة القاطعة في الروايات التي تناقلها المؤرخون للأدب العربي القديم لذا آمن بدور المنهج الديكارتي في البحث عن حقيقة الأدب واستخراج زيفه ولو أدى به ذلك إلى سخط الناس فأكد على أنها
رسالة شاقة ولا بد من أدائها مهما تكن العقبات لذا لم يخف عدم اطمئنانه إلى بعض الروايات المنقولة عن حياة بعض الشعراء كما بينا من قبيل ما نقله الرواة عن
“لبيد” إذ قالوا “إنه قد أعرض عن الشعر اعراضا بعد الإسلام ويغلو بعضهم، فيزعم أنه لم يقل في الإسلام إلا بيتا واحدا من الشعر وهو:
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي
حتى اكتسبت من الإسلام سربالا
ولست اخفي عليك أن اطمئناني إلى هذه القصة ليس تاما فسترى أن الرواة يضيفون إلى” لبيد” شعرا إن صح، فقد كان “لبيد” إذن يقول الشعر في، الإسلام وان صحت هذه القصة فقد كان الرواة إذن يكذبون على “لبيد” وأذن فما يمنعهم أن يكذبوا على غيره من الجاهليين والإسلاميين” ( حديث،الاربعاء ج 1 ص 46)
يتبع
# (الدكتورة الناقدة مفيدة الجلاصي)