الجزء الثامن
حول ” المنهج النقدي عند طه حسين
من خلال حديث الاربعاء”
لقد كانت لطه حسين اراؤه في قضية الذوق الأدبي عبر طرحه لمسائل مختلفة من قبيل “المثل الشعري الأعلى والذوق الأدبي الحديث، والمذاهب الفنية للشعراء ومصادر الجمال الفني في الأدب العربي قديمه وحديثه” وهذه القضايا كشفت لنا عن مدى اهتمامه بقضية معالجة الأدب ومدى انتفاع الناقد الحديث، بنتائج الدراسات الأنسانية
ومن هذه فقد بدا موقفه – نظريا وعلميا – صريحا لا غموض فيه فهو يقرر من الوجهة النظرية قاعدة في دراسة فنون الأدب لا سيما الشعر الغنائي تقضي باعتماد الدارس على شخصية الشاعر قبل كل شيء “ذلك ان الشاعر يجب أن يتمثل في شعره إلى حد ما فإذا كان الشاعر مجيدا حقا فشعره مرآة نفسه وعواطفه ومظهر شخصيته كلها بحيث تقرأ قصائده فتشعر، فيها بروح واحد ونفس، واحد وقوة واحدة وقد يختلف هذا الشعر شدة، ولينا ويتباين، عنفا،ولطفا ولكن شخصية الشاعر ظاهرة فيه محققة، للوحدة الشعرية التي تمكنك من أن تقول :هذا الشعر، لفلان أو هو مصنوع على طريقة، فلان “(حديث الاربعاء ج1 ص 181)
ولعل هذا الاتجاه المعتمد على الدراسة التاريخية للأدب قد يدرج فيما أسماه الاستاذ” حسين الواد”
” مفهوم الانعكاس”( انظر :حسين الواد: قراءات، في مناهج الدراسات الأدبية /دار سراس للنشر 1985 فصل” مفهوم الانعكاس، في النقد الادبي الحديث ص/ص 19/34)
ومفعوم الانعكاس، كما أكد” حسين الواد”:” لم يستعمل في الهجوم على القديم فحسب، بل استعمله أصحابه أيضا في التبشير بالحديث من الأدب والفكر ومما يختص به المذهب الحديث، في نظر الداعين إليه الصدق في التعبير عن المشاعر العميقة وفي رسم، الشخصية” ( حسين الواد :قراءات في مناهج الدراسات الأدبية ص 20)
ويبدو أن مفهوم الانعكاس قد صار دعامة أساسية أقام عليها النقاد المحدثون، مذاهبهم في النقد والأدب بيد أن” طه حسين ” قد بلغ بهذا المفهوم الدرجة القصوى من الوضوح والتماسك، لأن منهجه في النقد والتاريخ يتجاوز الأفراد إلى الجماعات لذلك رأى أن شعر “عمر بن أبي ربيعة” خير مصدر للمؤرخ الذي، يريد أن يدرس، الحياة الأدبية والاجتماعية في الحجاز والمؤرخ، الذي يريد أن يدرس حياة المرأة العربية المترفة في القرن الأول يجب أن يلتمس هذه الحياة في شعر “عمر بن أبي ربيعة” فلن يظفر في مصدر، آخر من مصادر الأدب والتاريخ بمثل، ما يظفر، به في هذا الشعر، والمؤرخ الذي، يريد أن يدرس، الصلة بين الرجال، والنساء في هذا العصر، يجب أن يلتمس ذلك عند “عمر بن أبي ربيعة” فسيجد منه في شعر هذا الشاعر كل ما أراد “(حديث الاربعاء ج1 ص/ص 296/297)
ثم لا يفوتنا ان نشير إلى أن جماعة الديوان، قد اعتمدت، سنة 1921 مفهوم الانعكاس مقياسا، في، الحكم على الآثار الادبية فقال” العقاد “:” إذا قرأت ديوان، شاعر، ولم تعرفه منه ولم تتمثل، لك شخصيته صادقة،لصاحبه فهو إلى التنسيق أقرب منه إلى الشعر(انظر، عبد العزيز الدسوقي، :جماعة أبولو وأثرها في، الشعر الحديث، /الهيئة المصرية العامة، للتأليف، /القاهرة /، 1971 ص99)
بهذا ارتكزت الرؤية النقدية ل” طه حسين” على فلسفة التاريخ، والكون، فامن بأن الإنسان وليد عصره ومن العبث عزله عنه أو اعتباره عنصرا ثانويا وكذا الأمر بالنسبة إلى الأثر الأدبي، فما هو إلا ثمرة لمجموعة من العوامل التي تظافرت وافراز لمكونات مختلفة شكلت مزاجه وروحه وذوقه بعيدا عن سلطته وارادته فيغدو هذا الأثر الأدبي، مرآة لصاحبه وهو محكوم، بمجموعة من العوامل المعقدة أهمها الجنس والبيئة، والتاريخ، والسياسة، والاقتصاد والمجتمع، وكل، هذه العوامل تسعى لتكوين، الفرد ومزاجه وتوحي، اليه، بصورة لا إرادية مواقفه، وأفكاره
على أننا لا يجب أن نغفل دور أستاذه الإيطالي C Nallino(1872/1938) في الجامعة المصرية الذي، تعلم منه، كيفية تفسير، النص، “اي كيف يوظف النص، توظيفا جديدا ويعيد صياغته وينتقل به إلى مجال الكتابة، إنها قراءة تتجاوز حدود القراءة اللغوية الشكلية إلى فهم النص، وتفكيك دلالاته بتأطيره،التاريخي التراثي” (لنظر،Nallino Carlo Alfonson, “La, Littérature Arabe des origines à l époque de la, dynastie Umayyade, Leçons professes en arabe à l université du Caire 1910/1911 trad Fr de Charles Pellat, d après la, Version italienne de Maria Nallion Paris Maison neuve 1970) وانظر أيضا ( أحمد بو حسن “الخطاب،النقدي عند طه حسين ص/ص 38/ 43)
ومع كل ذلك فنحن نتساءل :ترى، هل وصل، طه حسين في حديث، الاربعاء الى تحقيق كل تلك المبادئ في، النقد بدءا، بمعرفة شخصية الشاعر والبيئة والعصر، والجنس، وتذوق المتعة الفنية التي يختزنها الأثر الفني بكل مقوماته الابداعية؟؟
وعلى كل فنحن لا نتصور، كما، صرح هو نفسه” أنه بمقدور، الناقد أن يحقق نقدا علميا كاملا *( حديث، الاربعاء ج2 ص 54)
ذلك ان البحث في حياة الفرد ورصد تطورات هذه الحياة لا يخلو من مجازفة تدفع بالباحث الناقد إلى وجوب التريث، وتحري الحذر في تقبل ما ينقل عن الأدباء من نصوص، أدبية تنسب إليهم
وبهذا تطالعنا شخصية طه حسين الناقد الذي،طالما خامره الشك في إثبات النصوص وتحقيقها ثم إسنادها إلى أصحابها وتأطيرها في بيئتها التاريخية ولذا اعتبرنا مبدأ الشك في نقده عنصرا، ذا أهمية بالغة في تحديد أحكامه النقدية في عصر، فسد، فيه الذوق، الأدبي، والفني إذ تتناول النصوص الأدبية، مسلمة دون تحقيق لذلك اعتبر الشك مبدأ فعالا يجعلنا نفهم حقيقة، تلك النصوص، وهو الذي، يقودنا حتما الى ضبط الخصائص، الحقيقية لها بمعرفة أصحابها الحقيقيين
# (الدكتورة الشاعرة والناقدة مفيدة الجلاصي)