الجزء السابع من المقال النقدي
خصائص المنهج النقدي عند طه حسين
لطالما أكد طه حسين على أن “يظل أدبنا القديم اساسا من أسس الثقافة الحديثة لأنه صالح ليكون اساسا من أسس الثقافة الحديثة” (حديث الاربعاء ج 1ص 14)
وهذه الدعوة إلى عدم القطع بين القديم والجديد يحدد مبدأ
“طه حسين” من ضرورة الاستفادة من القديم ويؤكد على ذلك في قوله
“ليس التجديد في اماتة القديم وإنما التجديد في إحياء القديم وأخذ ما يصلح منه للبقاء ” ( حديث الاربعاء ج 1 ص 14)
ويبقى الذوق اداة أساسية في نقد النصوص الشعرية وهو الكفيل بأن يمكن الناقد من تمثل المشاعر والتجارب الخاصة بأصحاب تلك النصوص وما تتضمنه من صور وافكار وتجارب تتولد في ذهنه لتعبر عن موقف معين لذا وجدنا
” طه حسين ” يلج عالم الشعراء فيعايش تجاربهم محاولا تحسس مواطن جمال نصوصهم بما لديه من ذوق جمالي يؤهله للاستمتاع بالألفاظ في سياقها الصوتي والايقاعي فيقول ” أريد أن احتفظ للغة بجمالها وبهجتها وقوتها من جهة أخرى وأريد أن أكون قادرا على أن أصف، ما في نفسي وألا اسلب نفسي، هذه القدرة لأني لا أجد في المعاجم لفظا أشعر بأنه يعجبني ويؤدي ما في نفسي” (حديث الاربعاء ج 2 ص 110)
على أن هذا الاستمتاع بالألفاظ لا يجب أن يلهينا عن مجموعة من الأخطاء اللغوية التي يقع فيها بعض الأدباء لذا ينكر” طه حسين “بشدة ما وقع فيه” محمد حسين هيكل ” من أخطاء في كتابه” جان جاك روسو” ‘حياته وكتبه” بل وينكر عليه إسرافه في الحرية اللغوية التي اوقعته في هدم قواعد اللغة وتجاوز حدودها وقوانينها في غير نفع بدعوى الحرية” (حديث الاربعاء ج 3 ص 110)
وإذا كان الذوق الأدبي عند طه حسين بهذه الأهمية في العملية النقدية فلأنه لا ينفصل عن المسألة اللغوية كما أنه مرتبط بالمعاني ومدى صدق الشاعر في التعبير عنها وهذا الصدق بدوره هو الذي يخلق جمال القصيدة ومن هذا المنطلق فالشعر الجميل عنده هو الذي يستوفي عناصر الجمال في اللفظ والأسلوب والناطق بالحق والصدق بل ” والاعظم منه حظا من هذه السذاجة الحلوة التي لا تتناول معانيها الراقية من بعيد وإنما تتناولها بل تتناولها، من اقرب ما تتناول المعاني” (حديث الاربعاء ج 1 ص 62)
وفي هذا الإطار بين طه حسين اسباب إعجابه بشعر “طرفة” فقال
“فنحن لا نعجب بمعاني هذا الشعر وحدها وإنما نعجب ايضا بلفظه الجذل وأسلوبه،الرضي واسره القوي وآية ذلك اننا، نساير الشاعر مطمئنين إليه راضين، عنه معجبين به “( حديث الاربعاء ج 1 ص 70)
وجلي،هنا أن مسألة الذوق في النقد لدى طه حسين مرتبطة في علاقة وثيقة بالتأمل في البناء الفني للقصيدة وما تختزله من دلالات ومعان وهو تأمل يقوده إلى تتبع شبكة العلاقات، بين الألفاظ، والصور وهي علاقات تتفاعل، اجزاوها داخل القصيدة في إطار بنية فنية خاصة اخرجها خيال الشاعر والخيال عنده “ملكة تمكن الكاتب او الشاعر من أن يخترع شيئا من لا شيء أو يؤلف شيئا من أشياء لا ائتلاف، بينها” ( حديث الاربعاء ج 3 ص 103)
ويرتبط الاختراع، عنده كما يبدو بعملية الإبداع لدى الشاعر والابداع هو، قدرة الشاعر على خلق معان جديدة انطلاقا من استعمال محكم للغة لذا نرى طه حسين يحلل معاني، القصائد محاولا سبر دلالات الألفاظ ومعانيها لانه ينشد الوصول إلى درجة من درجات تحقيق القراءة المقترنة بالنقد،والتفكير، المعتمد، على التأمل العميق وليس، هدفه إدراك فهم المضمون، فحسب بل السعي الحثيث، إلى تحليل تركيب القصائد وبنائها، ومدى مساهمة هذا التركيب في صياغة المعاني ولهذا عمل على استقراء، ما يقع تحت سمعه من أصوات ونغمات معتمدا على الذوق، مقياسا لتقييم النصوص، الشعرية فاعتنى تبعا لذلك باللغة والصياغة وكان في احكامه النقدية يلتفت أول ما يلتفت إلى اللفظ وكثيرا ما يحكم على الكاتب او الشاعر، بالخلف والعجز والقصور، لأنه يلحن او يخطئ او يخرج عن أساليب العرب، في البيان وهو ما دفعه في شبابه إلى أن ينشر، في جريدة “العلم” عدة مقالات بامضاء “أزهري ناشئ”
(انظر حديث الاربعاء ج 3 ص ص 22/ 46) حيث ينقد بعنف المنفلوطي ورشيد رضا
لقد آثار طه حسين مسألة اللفة في حديث الاربعاء وتجددها في نطاق القديم والحديث، فوقف موقفا معتدلا بين الداعين للاحتفاظ باللغة العربية الكلاسيكية وبين الداعين إلى تطويرها دون اعتبار، لوضع أهلها وقد مثل الشق الأول، مصطفى صادق الرافعي، وأما الشق، الثاني فقد مثله “عبد الحميد الوكيل” و”سلامة موسى” وقد رأى، طه حسين أن ” اتخاذ أساليب، القدماء عيب خلقي، ونقص ادبي لان الكاتب يكذب على نفسه وعلى معاصريه إذ هو يحس، شيئا ويقول، شيئا آخر ويشعر، بشيء وينطق بشيء، آخر فأدباؤنا، يتورطون في خطأ فادح حين يظنون، أن اللغة العربية الفصحى لا يمكن أن تستقيم، إلا إذا اتخذت، ذلك، الشكل القديم للقرون، الثلاثة أو الأربعة، الأولى للهجرة، ولغة القرآن لم تكن مطابقة، كل المطابقة، للغة، الأمويين ولغة أبي نواس لم تكن تطابق لغة، جرير، والفرزدق، ولغة المتنبي، لم تكن تطابق، لغة أبي نواس فيجب، إذا التخلي عن هذا الاجلال والتقديس الذي، يحيطه بعضهم باللغة، ومن الحق على هذه اللغة ان تستجيب لأصحابها وان تساير تطورهم وتساير، حياتهم، في ظروفهم المختلفة “(حديث الاربعاء ج 3 ص ص 10 /11)
وهكذا كان طه حسين يرى ان للغة العربية اصالتها التي يجب أن نحافظ، عليها ولذا يجب ألا نسرف في التأخر أو في التقدم فلا نقطع الصلة بين قديمنا، وحديثنا لذلك فمسألة اللغة عنده مرتبطة بالذوق الأدبي، والذوق الادبي بدوره مرتبط بتطور، الحياة العربية عامة ومن هنا كان موقفه موقفا توفيقيا بين الأصالة، والتجديد، ففي “اللغة اذا قديم لا بد منه إذا أردنا أن، نبقي، اللغة وفيها جديد لا بد منه إذا أردنا أن تحيا،” ويؤكد على ذلك بقوله :”إن مذهبنا الجديد، لا يقتل، اللغة، ولا يصرف، الناس عنها ولا يغير من أصولها وقواعدها وإنما يريد أن تكون اللغة حية نامية، ومن، ذكر، الحياة، والنمو فقد، ذكر التطور، وآمن به فهو من أنصار المذهب الجديد سواء أرضي، ذلك أم انكره ” ( حديث الاربعاء ج 3 ص ص 30/ 35)
# ( الدكتورة الشاعرة والناقدة مفيدة الجلاصي/ تونس )