( خاص موقع ” ميزان الزمان “) :
الجزء السادس من المقالة النقدية حول
“خصائص المنهج النقدي عند طه حسين”
للشاعرة والناقدة التونسية الدكتورة مفيدة الجلاصي :
علاقة النقد بالذوق عند طه حسين:
لا شك في أن الذوق الأدبي لدى
“طه حسين” يتعلق بمسألة فهمه للأدب وطريقته في دراسة النصوص، الأدبية وتحليلها وتلمس مواطن الجمال والقوة والصدق فيها وفي كتابيه “في الأدب الجاهلي”
و” حديث الاربعاء” نقف على أهم آرائه التي تكشف عن شخصية ثائرة على المفاهيم النقدية القديمة بعد أن أخذ بأسباب المناهج الحديثة في
“الجامعة المصرية” التي فتحت أبوابها سنة 1908 على أيدي، المستشرقين الذين كان للكثير منهم
الفضل الكبير في :”تأثيل المنهج العلمي واصطناعه في درس الأدب وغيره من دروس اللغة والحضارة التي انيطت بهم” ( انظر “حلمي علي مرزوق :تطور النقد والتفكير الأدبي الحديث في مصر ص. ص 501./ 546)
ولعل أبرز هؤلاء المستشرقين هم
” جويدي Guidi/و نالينو، Nallino
(1872/1938)
وماسينيون Massignon. 1883 /1962 وليتمان Littman
1875/1958
انظر التعريف بهؤلاء المستشرقين في كتاب” المستشرقون “لنجيب عفيفي” دار المعارف بمصر 1964
ج 1 الصفحات 287/291/ 375 / 377/ 380/ 784
ثم لا يفوتنا طبعا ان نؤكد على أن رسالة الدكتورا لطه حسين” عن أبي العلاء المعري(1914) كانت الثمرة الأولى من ثمرات الجامعة المصرية وفيها اعتمد على نظرية (تين Taine ) و(سانت بوف S Beuve)
و( برونتيير Brunetiere) وقد أفاض الحديث عن هؤلاء في كتابه
” في الأدب الجاهلي” في معرض حديثه عن التاريخ الأدبي (ص. ص 37 /52)
لقد جعل “طه حسين” ،الذوق عنصرا اساسيا في تقييم النصوص الأدبية والبحث عن جمالها الفني اعتمادا على اللغة التي تمثل أداة الأدب مثلما بين قائلا :” مثله مثل التصوير والغناء وغيرهما من هذه الفنون التي تمثل ناحية الجمال في نفوسنا” ( في الأدب الجاهلي ص 34)
ولعل هذا “الجمال الفني” الذي ينشده طه حسين هو ما يدعوه
“لانسون” “الصياغة” وهو عند كليهما مادة الأدب وروحه وهما ايضا دافعان إلى اعتماد الذوق عنصرا اساسيا للناقد في نظر
” طه حسين “و” لانسون ” (انظر : ، Meftah Tahar” Taha Hussayn “Sa, critique et ses sources françaises” Maison Arabe des, livres Chapitre 3 p p 113/116
وانظر ايضا “فاروق العمراني” تطور، النظرية النقدية عند محمد مندور، فصل “آراء طه حسين في، النقد والأدب ص’ص 60/68” الدار، العربية للكتاب 1988
وهذا الأمر دفع بطه حسين إلى أن يبدي موقفه من علاقة العلم بالنقد والأدب اعتمادا على الذوق مقياسا للتقييم لأن المناهج النقدية الحديثة التي ابتدعها،Brunetiere و S Beuve وغيرهما لم توفق كل التوفيق لأنها أرادت ان تجعل من تاريخ الأدب علما محضا وتجاهلت ما فيه من ذاتية تحبب الأدب للنفوس ومن هنا فالناقد لا يستطيع أن يعتمد على مناهج علمية خالصة بل لا بد من اعتماده ايضا على ذوقه الخاص
والذوق عند طه حسين نوعان : ذوق عام وذوق خاص،
فإما الذوق، العام فيشترك فيه أبناء الجيل الواحد في الفترة التاريخية الواحدة وذوو البيئة الواحدة وفي، البلد الواحد وهذا الذوق يتسع ويضيق، ويقوى ويضعف من بيئة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر بمقدار ما بين ذلك من الإتقان والتشابه (انظر حديث الاربعاء ج 1 ص 9)
واما الذوق الخاص فهو الذي، يتأثر بالذوق العام وبالشخصية الفردية وهو مرآة صادقة لصاحبه وفي هذا الرأي يوافق، طه حسين استاذه الفرنسي “Lanson” الذي يؤكد على أن للنص الأدبي طبيعة ذاتية وهي، التي تتمثل في الصياغة :” فالمؤلفات الخاصة، تصبح أدبية بفضل صياغتها” “و جمال الصياغة وسحرها هما اللذان يميزان النص، الأدبي عن النص التاريخي او غيره من النصوص ولذلك فالمؤلفات الأدبية لا يدرك معناها وتأثيرها إلا بالتحليل الفني لصياغتها” ( انظر ” فاروق العمراني” تطور، النظرية، النقدية عند محمد مندور ص 54)
لقد لاحظ” Lanson” اننا نكون اكثر تلاؤما مع الروح العلمية عندما نقر، بوجود التأثيرية L Impressionnisme في دراستنا وتنظيم الدور الذي تلعبه فيها لأنها المنهج الوحيد الذي يمكننا من الإحساس بقوة المؤلفات وجمالها وكذا الأمر عند طه حسين الذي، لا يعنى بالقشور بل هو يعنى “بالنص الذي يكون جميلا يبعث في نفسه الحياة والنشاط واللذة والمتعة”
(حديث الاربعاء ج 1 ص 88)
وقد دفع به هذا الأمر إلى الاعتراف بسيطرة ملكة الذوق الشخصي على الناقد فقال :” إنما ذكرت عواطفي التي تعطفني على حافظ بالحب والمودة وتصرفني عن شوقي بعض، الشيء لتتم انت ما قد أعجز عنه أنا من الإنصاف ” (طه حسين” حافظ وشوقي ” دار المعارف 1933 ص 64)
لقد دعا طه حسين دعوة صريحة إلى ضرورة مراعاة ذوق الأجيال الناشئة فصرح قائلا :” لا تفرضوا شعركم القديم على الطلاب والتلاميذ فليس هذا الشعر منهم، وليسوا هم من هذا الشعر في شيء علموهم ما يستطيعون أن يتعلموا وخذوهم بحفظ ما يستطيعون ان يحفظوا ولا تفسدوا عقولهم وأذولقهم بتكليفهم ما لا يطيقون”
(حديث الاربعاء ج 1 ص 10)
( يتبع.)
# (الدكتورة الشاعرة والناقدة مفيدة الجلاصي)