كتاب جنوح الفلاسفة الشعري
إنّ الشّاعر هو مؤسّس الوجود( هايدغر)
أن نتكلّم أن نكتب في مجال الفلسفة، يعني ان نتعرّف على كليّة قدرة اللّغة على الأفكار . ويعني ذلك ان نختبر نشوة السلطة في الكلمات وأن نحب؟ هذا التّفوّق الفكريّ .
بينما فعل الصّمت،هو أن يجعل المرء من نفسه هذا الصّمت ، كتلة سكوت كما لو أنّ الكلمات تنقصه فجأة أو أن السّلطة الّتي كان يمارسها عليه تخور.
أمّا الفيلسوف فإذا مارس هذا الأمر فهو ينتقل الى الحكمة او الجنون، ص٢٧.
فلنصل بعد هذا المدخل إلى الإيقاع الفلسفيّ ، ممّا يعني وبالضّرورة ان نسلّم لإيعاز تتبّع ( سونيرغوس ) أي إلى تساؤل: ما الّذي ينير مسيرة قدرتنا على التّفكير ويوجّهها في الوقت نفسه؟ ص٣٤.
يقول ( بيار لويس) في هذا الصّدد أنه من المتعذر كتابة الكلمة الّتي تكون في غير موضعها ،ص٣٦.
ويتعلّق بحثنا بالتّالي في العلاقة الّتي تربطنا باللّغة ( أو الكينونة -في-اللّغة) مشتركًا بين الفلسفة والشّعر.
ص٣٨.
ويصرّح( كريستيان دوميه) أن عالم اللّغة هو الّذي يتم؟ إيقاظه وتجييشه في كلّ مرة بواسطة الاستفهام … وهو من خلال انتقاله بخفّة بواسطة تخيّل الجهل الوقتيّ ، لا يجعل فقط ماديّة الدّال بل أيضا تقلّب الدّلالة في متناول إدراكه .ص٤٠.
إذا، نحن نلج مجالي الفلسفة أو الشّعر ، بالرّغم أنّ ما من معرفة تجعلنا ندرك سبب هذه المعرفة الّتي تتألف مقوّماتها من مشية معينة او وضعيّة جسم معيّنة أو طريقة تنفّس يعتمدها الشّخص إزاء اللّغة والعالم. ص٤١
وهذا ما جعل( فرنسوا ليوتار) يقول : إنّنا نكتب بالاتّجاه المعاكس للّغة، فنحن نقصد أن نقول ما تجهل اللّغة كيفيّة قوله ، مع أنّه يتوجّب عليها أن تتمكّن من قوله ، كما نفترض ،ص٥٧.
ومن خلال الابتكار الأكبر للصّور ، تبصر النّور الفكرة الّتي يتمّ تشاطرها على النّحو الأكثر إجماعا ، وتعمد القصيدة من خلال إعادة تحفيز ما لا تظهره اللّغة العامّة أو ما تظهره بشكل مفرط أو سيء بهدف جعله مرئيّا ، إلى إعادة خلق لغة عامة على أعلى مستوى إن جاز التّعبير. ص٥٩
يمكن عندها وعبر الحقيقة الّتي تقولها اللّغة في الشّعر او الفلسفة ، يمكن أن تكون لمسًا ضائعًا بقدر ما يفصلنا الكلام وإلى الابد ، من خلال عمليّات التّرميز المعقدة الخاصة به ، عن الأشياء القابلة للمس ، وبقدر ما يبتكر أشياء أخرى ( على غرار التّصوّرات والأفكار والتّمثيلات الذّهنيّة ) وير سي أسسها في ميدان يتعذّر مسّه . ص٦١ .
الحقيقة هي تأثير الإرجاع ، التّصوّرات المجانسة المدلهمّة للجنس البشريّ ، ويتفّق علماء الاجتماع والفلسفة على تسميتها هبته أو مصدر طمأنينته ، وبصفتنا أجسام تائهة في تجريد الرّموز ( مثلا : رينيه شار وهنري مالديناي ) ها نحن اذا اشبه بفريسة أو بيد ربما ، وتسنح الفرصة أمامنا لنطوف بحريّة المسافة الفاصلة بين الفكرة والشّيء … ص٦٢
يتساءل الكاتب( دوميه) : هل يشكّل الإيقاع الموزون عدوًّا للفكر؟ وتلتقي هذه الفكرة ب رأي نيتشه حول مزايا التّكوّن الايقاعي لأسلوبه الأدبيّ، ويؤكّد ان فلسفته تستوجب إرهاف السّمع اليها بقدر ما يجب قراءتها ، كما يتعيّن تصوّرها بقدر الاستماع إليها ،فالمسألة مسألة أذن ثالثة ، ( وفق الفقرة في كتابه الدّيثرامب بعنوان وراء الخير والشر ص ٦٥
حسب دوميه: ان صيغة التّعبير بشكل مغاير لا تعدّ طريقة لتقريب نقطة غير محقّقة في الفكر وحسب ، بل إنها تعني أضا وفق أسرار سبل الكتابة وخفاياها ، أن نطبع في الذّاكرة ما سيبقى بشكل مغاير عصيا على التّعبير. ص٦٨
(جان لوك نانسي): الموسيقا الّتي بداخله أو الموسيقيّ الكليّ لهذا الصّدى الّذي يصغي فيه لنفسه ، ومن خلال إصغائه لنفسه يجد نفسه ، وحين يجد نفسه يبتعد أكثر عن نفسه لكي يبلغ صداه مجالا أبعد ،ص٧٩.
ويخلص( دوميه) الى القول : أن نكتب يعني فقط أن نستكشف المزايا الإيقاعيّة للّغة والفكر، ص٨٢.
إنّ فعل التّفكير يعني أن نحدث الصّيرورة وأن نعيشها في الوقت نفسه ، يعني ذلك أن نصبح الصّيرورة. ص٩٢ .
كان جزءا من ثانية ذاك الّذي تستغرقه الفكرة لكي تذهل وتتألّق وتتلاشى ، فضلا عن ذرّة الوقت الّتي تشكّل بذرة العصور السّيكولوجية والتّبعات اللّانهائية ، يبدو أن في نهاية المطاف وكأنّها كائنات محاطة بالكامل بعدمها الّذي يصبح محسوسا . ( حسب تجربة فاليري في رمية النّرد) ص٧٥.
ان فعل التّفكير أن نحدث الصّيرورة وأن نعيشها في الوقت نفسه.ص٩٢.
لا بدّ أن نسلّط الضّوء على مغزى الضّديدة : ( متعة الفهم) وعلى تداخل الأنظمة الحسيّة والجنسيّة والعقليّة ، ممّا يجعلنا نكشف ترابطها الطّبيعيّ. ص٩٧.
يقول (بودلير )مناقضا لما سبق ثمة عوالم صور، وليست قدرة التّحوّل الّتي تمتدّ عبرها إلا ميزة نشوكونية، ٩٩.
(دريدا )يقول: يعتبر يقين القراءة الأكيدة بمثابة ارتكاب فعل البلاهة الأكبر، مبدأه ان اللّامقروئيّة تفرز احتمالات لا نهائيّة مؤاتية للقراءة. ص١٠١
يوضح (سقراط) عدوى أنّ الشّعراء يتوهّمون ويوهمون بواسطة مثل حجر هرقل، الّذي يجذب حلقات الحديد ،ولا يكتفي بذلك بل ينقل إليها ميزاته ، فنصبح أمام سلسلة مدلّاة ، وكلّ حلقة تحسب أنّها تنتج حماسها بنفسها ،بينما هي تستمدّ من سابقتها ، والحجر هنا هو ربّة الشّعر الملهمة.ص١١٩.
ومن هنا تنبثق ضرورة إنشاء كلام يكسر هذا التّسلسل ، ويكون متأمّلا وغيريّا في الوقت نفسه. ص١٢٠. والاصغاء’لدى( سقراط) أن ندع الكلام الذي يفوه به الشّخص الآخر يمسخ مفهومنا لكي يتفجر منه شكلا جديدا يدفع بالمقابل الشّخص الآخر الى إعادة تشكيل مفهومه ( هذا هو الإصغاء) ١٢٠.
(مالارميه )وبعده (بروست وبرغسون) يكشفون النّقاب عن أنّ الكلمات من خلال تشاركيّتها ومن خلال مجازيّتها تمثّل المكان الوحيد الّذي يقدر لنا فيه أن نعرف حقيقة هذه الطّرق المختصرة، ١٣٩.
ما المقصود بالقراءة في الحلم؟ يعني ذلك أن نتحرّر من اقتضاءات القراءة ، أي من الانشغال بحرفيّة وقواعد اللّغة وبثبت المصطلحات … وتخلي هذه الوساوس كلها المكان للتّداعيات الفكريّة الحرة وحدها . ص١٧٣
وتصبح هنا عطيّة القصيدة والّتي هي أن اللّغة ( لغتنا) من الممكن ان تتجلّى فينا كالعنصر الفاعل لمرجع غريب عن أنفسنا، ١٧٩.
كيف تتمايز كينونتي بالنّسبة إلي وإلى الآخرين إن كانت الوسيلة الّتي الجأ اليها للدّلالة على هذه الكينونة توغل في العموميّة وعدم التّمايز عن سائر الكائنات؟ وكيف السّبيل الى الدّلالة على لحظة وقوع تجربة فريدة وعلى مكان حدوثها إن كنت أعجز عن فعل ذلك إلا من خلال اللّجوء الى قاسم مشترك بين الأماكن كلّها واللّحظات كلّها؟١٧٩.
إنّه وضع الضّرورة ، ففي قولنا أننا بحاجة الى رواية بدائيّة ، نقصد في آن هذه الضّرورة وهذا الغياب النّهائيّ لكلّ غرض من شأنه أن يسدّ هذه الضّرورة ، وأركن الضّرورة الملحّة إلى هذا النٍقص ، كما يجدد هذا النّقص هذه الضّرورة الملحّة إلى ما لا نهاية . ص١٨٣.
الإيمان يقع دائما قبل الخلق ، ويشكّل في الوقت نفسه ثمرته وما يغتذي عليه ، وذلك في سياق تداول دائم يعمد قبل أي اعتبار ذي صلة بالآراء المعترف بها ، إلى تحديد حركة التّجاوز نفسها . حسب مبدأ (فيكو) ص١٨٦ . ويحرص (فيكو )على تمييز عمليّة الخلق الربّاني عن الخلق الّذي يقوم به البشر ، إذ إنهم وبفعل جهلهم الشّديد كانوا يخلقون الاشياء’بمقتضى مخيّلة تبلغ أقصى درجة من درجات الجسمانيّة ، وكانوا يفعلون ذلك بسموّ مدهش، لدرجة أنّه كان يثير قلقهم ، ولهذا أطلق عليهم شعراء ، والتي تعني باليونانيّة ( مبتكرين) ١٨٧ وهكذا ينشأ كلّ من الفكر واللّغة نتيجة فصل يحدثه الذّهول بين الفرد والعالم ، فلحظة يُفتح ذهننا الذّهول ، اعتادت الفضوليّة التي تعدّ طبيعة خاصيّة عند الانسان والتي هي ابنة الجهل وأمّ الصّمت أن تسأل في الحال عن المعنى حين ترصد شيئا عجيبا في الطّبيعة، ١٨٨. وبذلك يعتبر( فيكو ) أنّ أي لحظة مهما كانت في حياة الجسد هي معاصرة لتجربة التّفكير الأصليّة،١٨٩ .وبالتّالي يؤكّد( فيكو) أنّ فعل تأمّل السّماء هو بحدّ ذاته الرّابط الوثيق الّذي يقيمه بين الخلق الشّعريّ وعمليّة تشكّل الفكر ، فهو يؤلّف بوصفه تجربة وقرارا ، الوسائل الإبداعيّة والشّعريّة الخاصّة بكلّ فكر . وعبر هذه الحركة يتمّ جمع التّأمل والاحساس والخلق ويتمّ وضع كلّ منها في حالة شدّ مع الآخر .١٩٢.
ويسأل المؤلّف هنا: أولا يتألّف النّقص في كلّ مرة من ما يبقى في الحقيقة حاضرا أكثر من أي شيء آخر؟ أي ما يكون ملحّا ويتوارى في هذا الإلحاح نفسه؟ ٢٤٣
ونصل الى فكرة (دولوز )عن تأليف القصائد أو الموسيقا، فيقول : لكي نؤلّف لا بدّ من أن نسكن تماما في حيّز ما، ومن أن نختبر معه التّجانسات ، ومن أن نغرز جذورا في سلطته العميقة والسّلفيّة، أو أيضا لا بدّ لنا من أن نسمع نداءاته المتعدّدة ، ومن أن نكون متيقّظين لارتعاشاته الّتي لا تعد ولا تحصى ، ومن أن نسير في الرّياح الّتي تعصف له ، ٢٨٤. ويتكافأ هذا المفهوم للمنطقة الخاصّة عن مفهوم الأرض عند (هايدغر ).
بالنّسبة( لباشلارد) لا تشكّل القراءة بالتّالي سوى ميل، فتكون بذلك المرادف الكامل لحلم اليقظة . فالكلمات لا تدلّنا بل تحثنا. ولا تهمّنا إلا بقدر ما تجرفنا. فهي تجذبنا وتنسحب بالحركة نفسها ٢٩٧ …كما أننا لا نتمّ حلم يقظة ولا ننجز قراءة ، ومردّ ذلك إلى أنّ لا الأوّل ولا الثّانية يطمحان الى بلوغ وحدة نهائية . ٢٩٨
إنّ رواية الزّمن هي الّتي تميز صميميا النّظام الشّعريّ عن النّظام الفلسفيّ، إنّها ما يميزهما وما يجعلهما متقاربين للغاية. ٣٢٢ وأن نكون زمن القول ، تلك مزية أن يكون المرء شاعرا ٣٢٦
(دوغي) يقول: إنّ عبارة أن الصّلة تعيق التّواصل هي إحدى صيغ الفنّ الشّعريّ ، إذ يتحد فيها مفهوما الوصل والفصل .٣٤٣
وتشكّل نيّة التّيه عقبة بوجه التّيه المطلق .فكما لو أن اللّغة تردّنا بشكل لا مناص منه الى طريق العودة باتّجاه المعنى .٣٥٨.
وأخيرًايعمد (نيتشه )في كتاب( إيون) الى التّعريف بالشّاعر من خلال اندفاعه الحيواني ، إذ تكون رغبات الشّاعر شبيهة برغبات العقاب او الفهد أي بعبارة أخرى مع الطّبيعة الحيوانيّة الّتي تضع الشّاعر على اتّصال بالقوى الأوليّة وتجعله متآلفا مع مهرجان الدّم ومع الظّمأ ومع الجوع الغريب المتعطّش لسلطان المنطق أو التّصوّر الذّهنيّ، ٣٦٣.
أن تكون فيلسوفا أو شاعرًا هو أن تريد أن تكون..
( حكمت حسن -البنية-لبنان )