متحف العطاء
كل أمر، إنما تصنعه أسبابه. حتى الجميل، وحتى اليد الصناع. والأخذ بالمودات. وإرادة التلاقي على الخير والعمل الخير. والأدب الخير.
ربما إنبرى أحد منا، ليتساءل، ليقول: هل هناك حقا أدب خير. هل هناك أدباء خيرون. هل هناك جماعة أو جمعية، أو وجه جامع للأدب الخير، لنعرفه ونتعرف عليه. ربما في شدة القيظ، توارى الخيرون جميعا، بأيديهم الصناع، وبهممهم كشلال عطاء، وبقاماتهم، كعمدان بنيان عظيم، حتى هاتفني ذات يوم، قبل عام أو أكثر بقليل، كبير من الأصدقاء: أراد أن يقول لي: عندي رسالة مودة لك من السيدة الأديبة والكاتبة والشاعرة: ميراي عبدالله شحادة، مؤسسة منتدى الشاعر، عبدالله شحادة في الكورة الخضراء.
ما كنت إلتقيت سابقا تلك السيدة الباسقة كدوحة أدب.كنت أسمع كثيرا عنها، من خلال الإصدارات التي يصدرها ذلك النادي المؤسسة الخيرية، بمبادرة منها. وبمساهمة وإسهامات لا تنقطع، لدعم الأدب، وتشجيع إنتاجه، في زمن القحط والمحل.
لم أشعر حقا، أنني أمام متحف العطاء الخيري الأدبي الصرف، إلا حين جلت في معاني ذلك الوجه النبيل، والذي قطع دهرا في العطاء، بلا ملال ولا كلال، على درب دعم الأدب ورجاله، في إصدار التحف الأدبية، لتأخذ حيزها من المعارض، ومن صفوف الدار التي أنشأتها ونشأت عليها، إكراما لوالدها الذي غاب ذات يوم، عن دوحة رعاها.
السيدة الأديبة والشاعرة ميراي عبدالله شحادة، فاجأتني حقا، وتفاجأت بها. وجه متحف لإصدار جميل الشعر والأدب. وجميل الفكر والفلسفة. وجميل الروايات التاريخية، التي عنتنا وتعنينا كل يوم.
حدبت السيدة مراي شحادة، منذ غاب والدها شاعر الكورة الخضراء الكبير،الأستاذ عبدالله شحادة، على أخذ متحف له بعينيها. إكراما وتخليدا وصونا للأبوة المعطاءة. فكانت دار منتدى شاعر الكورة الخضراء الثقافي، وجهان لمتحف واحد، صنعته السيدة ميراي بعينيها. متحف الأدب الخيري، الذي لم يسبقها أحد إليه، ولم تسبق إلى وجهته الصافية.
وجه مليء بالكرامة وبالشجاعة وبالعطاء، فما بالك إذا ما أضيف أليه الأدب الخيري. أدب أشم، من أديب أشم. في متحف أشم. علني بذلك أكون قد وفيت السيدة ميراي شحادة، بعض جزيل عطائها الأدبي الذي ما إنقطع يوما. ولا أخذته الحروب في طريقها، كما أخذت بعض أبواب الأدب والإعلام والصحافة والنشر.

هنيئا لك اليوم ، أيتها السيدة العزيزة الشماء التي تحتفل بعيدها السنوي في السابع من نيسان. وهنيئا بها قامة سروة، ثروة، ثورة. ثلاثة أثلاث في جمع أحد، فوق روابي الكورة الخضراء، في لبنان، متحف بذل أدبي وعطاء خيري، لا ينقطع على مدى الأزمان…
هنيئا لوجه رأيت فيه، إذ رأيت ذات يوم: متحف العطاء.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين مع الشاعرة ميراي شحاده ، خلال حفل تكريمه في جناح منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحاده في المهرجان اللبناني للكتاب في أنطلياس