قراءة في نص مسرحية ” 33 صلاة في جوف الحوت” للكاتب يوسف رقة ( دار المؤلف في بيروت) ..
كتبت الاعلامية دينا خيَّاط:
مسرحية ” 33 صلاة في جوف الحوت”، الحائزة على جائزة كندية بإشراف إتحاد كتاب الدراما في مونتريال عام 2007 .. وشاركت في المهرجان العالمي في كندا Festival Trans Amemique … هي المسرحية الجديدة للكاتب المسرحي يوسف رقة والتي سيوقعها في الثامن من كانون الأول 2017 في معرض الكتاب الدولي في جناح دار المؤلف.
المسرحية وحسب قول الكاتب :”” هذا النص، ينقل بعض “الواقعية” وبشكل ملحمي من أحداث جرت، قد يعتقد البعض أنها “خيالية” لأنها أحداث فوق “عادية” في حياة البشر الطبيعية “”.. إذاً منذ البداية يعلن موقفه من الأحداث التي حصلت وبأنها فوق ما يمكن أن يتصوره العقل من حيث الأسلوب العنيف والقتل العشوائي الذي طال الوطن وأبناءه في تلك الفترة ..
ونعود إلى النص المسرحي ..الذي يبدأه الكاتب بمشهد أول عنوانه ” المهرجون الثلاثة ” .. وكأنما به يشير إلى أن العالم يحكمه مهرجون يتناوبون على الكلام معددين شعارات طنانة رنانة عن السلام والعدل .. الإيمان والكفر .. الأنظمة المختلفة الأسماء والعدل .. الأصولية والإرهاب .. البلدان والمناطق التي تعرضت للحرب والمجازر .. لتنتهي بأنها شعارات مزيفة وأقنعة لا نرى من ورائها إلا الحرب …. مجرد كلمات تتقنَّع خلفها غايات مشبوهة هدَّامة .. ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر .. حديث عن الحرية والسلام يخفي ناقوسَ حربٍ نائمة تحت شعارات كاذبة تخدم مصالح دولٍ عظمى وليس الشعوب الضعيفة.
وتبدأ الأحداث الفعلية للمسرحية مع بداية المشهد الثاني .. في شهر تموز وطقسه الحار .. ومع حنان الجنوبية وولديها الذين يسكنون الجنوب ويتأملون قضاء عطلة صيفية هانئة .. غير أن ما تمنوه كان العكس تماماً .. حيث بدأت الحرب دون سابق إنذار .. وحوصروا بعيداً عن الزوج الذي يعمل في العاصمة .. وتتوالى أحداث المسرحية بشكل مؤثر ومتسارع، تتقاطع أحياناً مع صحفية تركبُ قطار الحياة الإعلامية وما يفرضه عليها عملها من تنقلّ بحثاً عن الخبر .. وبين سيدة في المكتبة تجد راحتها بين الكتب، تطالعها علّها تنجب رواية جديدة ..وبين راوٍ يتدخل بين المشاهِد ليكسر الأحداث بقولٍ لاذع أو آية قرآنية، دعاء أو حتى قصيدة وجدانية.
وتبقى حنان، هي المحور وهي الأساس في معظم المشاهد، فهي عنوان التحدي والصمود، هي الأم بكل معنى الكلمة التى فضَّلت أبناءها عن نفسها، فحشرت ولديها في شاحنة لترسلهما إلى بر الأمان لتبقيهما على قيد الحياة .. فهما أحق بنظر وعاطفة الأم أن تحميمها قبل نفسها من الموت .. رغم رفضها القاطع بضرورة عدم ترك الأرض إلا أن الظروف كانت أقسى من شعارها .. وبقيت هناك تتحين الفرصة للوصول إلى العاصمة .. لأن المنطقة باتت خالية من السكان إلا من المقاومين الذين يزودون عن الوطن بأرواحهم، في حربٍ لم تكن مؤكدةٌ توقيتُ نهايتها.
الكاتب المسرحي يوسف رِقة
وهكذا، نمضي بين المشاهِد، نتخيَّلها حيناً ونعيشها أحياناً أُخرى .. فالكاتب يوسف رقة في مسرحيته صوَّر بعض المشاهد بحبكة قوية وجذابة .. وتفصيلٍ لحالٍ وواقعٍ مؤلم عاشه معظم اللبنانيين حينها (وعاشه ويعيشه الآن الكثير من الأخوة العرب في البلدان الشقيقة) .. الذين اضطروا أن يهجروا قسراُ قراهم وبيوتهم ليعيشوا التهجير القاسي .. ومع هذا لم تخلُ المسرحية من بعض اللقطات الساخرة ما أضفى على النص نكهة جديدة أبعدته عن الرتابة وإن كانت سخرية مؤلمة معبرة عن واقع صعب.
مسرحية “33 صلاة في جوف الحوت” .. مسرحية واقعية بامتياز .. فرسالة الكاتب نلمسها من البداية حتى نهاية المسرحية .. ألا وهي أن الشعارات ستظل تتردد .. وأن السلام يبدو وهماً نسعى إليه، لأن أطماع الدول لا ولن تنتهي، وعلينا أن نبقى حاملين حقيبتنا، متأهبين لبداية حرب قد تندلع في أية لحظة .. على أمل أن يستجيب الله لدعائنا بأن يعمَّ السلام العالم أجمع ، ولا تبقى الصلاة محبوسة في جوف الحوت.
الكاتبة والاعلامية دينا خياط