الغريم التقليدي
غرماء الإنسان كثر. ويتكاثرون عليه يوما بعد يوم. يتكاثرون عليه، كلما وجدوه يرقى. كلما وجدوه يترقى. النجاح له غريم. والصحة لها غريم. وكذا الحب والصداقة والصديق. يجلبون له الأخطار. يجلبون له المتاعب والمكاره. يجلبون له التحديات والمنافسات. ويجعلونه على قلق منهم. لا يعرف كيف يسدد خطاه في الطريق، حتى لا يتعثر بهم. وحتى لا يتعكر مزاجه لمجرد رؤيتهم. وحتى يتلافى معهم شر التلاقي بهم في المجتمعات.
لكن الأصعب من ذلك على المرء، والأقسى عليه و على قلبه، هو أن يكون بلا غريم. فمن يستطيع أن يمنح المرء طاقة إيجابية غير غريمه. غير غرمائه. غير الذين، ينصبون له المكائد. ويلقون في طريقه الحجارة. وإذا غاب عنهم، يرمونه بكل المثالب والنواقص. والعدة لذلك جاهزة.
قلما قال شاعر في مديح الغريم. وقلما ذكر كاتب بأهميته. وبأهمية دوره. وبأنه محمود مشكور على “موهبته”، في إختلاق الأكاذيب. وفي صناعة الأفلام لغرمائه. وفي السعي بهم. وفي النميمة عليهم. وفي النفخ في النار. وفي إستدعاء الشرر والشرور من بعيد. قلما إمتدح الغريم غريمه. وقلما شكره، ولو على نميمة واحدة. ولو على مكيدة ولو يتيمة.
الغريم، لا يحمل عليه إلا بالعصا. ولا يتحدث عنه، في غيابه، إلا بالشتيمة. ترى الناس، يمضون وقتهم في مراجعة الحديث عنه. في مراجعة الحديث عليه. ترى الناس يستعيذون من حضوره معهم، لأنه النقيض.
قلما يتخفى الغريم عن غرمائه. فهو لا يستطيع تمويه شخصه. ولا حبس لسانه. ولا يمون على الحبسة في فمه وتحت أسنانه. يظهر فجأة. ويفاجئ غريمه في الطريق وفي المجالس. مرة بالعبوس. ومرة بإدارة الكتف والظهر. والقفا. معلنا حربه على غريمه، على حين غرة حين يلتقيه، أينما إلتقاه، ولو في الطريق.
يدخل الغريم من الثغرات. ينتظر العثرات. يصغي إلى الأقاويل. يمحص الحكايات، ويعربها مرات ومرات. يقلبها على وجوهها الشتى، حتى تستوي له على دسيسة أو حكاية مشوية، أو نميمة ساعية. لا تراه ينام ليله، إلا وهو يصنع الأفلام والمقالب. يجعل غريمه نصب عينيه. يفكر فيه، وكأنه خلق له. لا شغل عنده، إلا في التشويه وفي صناعة التشويهات. كأنه سخر لذلك. وصار الوقت عنده سدى، إذا لم يهتد إلى سبيل ولو حقير، من سبل التعنيف و التشويه.
الغريم التقليدي، يمكن أن يصير صديقا، حين تداويه. تعرف سبب علته وتدعو له بالشفاء العاجل. تتحاشى التخويض معه في الأحاديث. تتحاشى مساءلته. تتحاشى التحرش به، لانه سيبين لك عن “ضب، أنت حرشته”.
تعالى إذن لإبطاله وإبطال دوره، وإبطال حكايته كلها، بالصمت له. زجاج الصمت، يحبسه عنك. فيشفيه!.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعةاللبنانية.
الكاتب الدكتور قصيّ الحسين