محمد البعلبكي قائفا
قلما يستطيع الأعلامي، مهما إستحث جهده، الوصول في البرهة الأخيرة إلى الحدث. للوقوف عليه. وتسجيل إحداثياته. والشهادة فيه أو عليه، ما لم يكن قائفا، شديد الكهانة بالأحداث ورياحها. يخشى دائما أن يسبقه الحدث، فيفوته حظه منه. ولا يستطيع بعد ذلك أن يحظى بقصب السبق.
” شرف لي أن أقدم النقيب والأديب محمد البعلبكي، وهو من الكبار في تاريخنا الفكري والصحافي والأدبي والثقافي والسالك من نعمة الفكر والوجود إلى نعمة الممارسة.”( سليمان بختي).
“ذكرياتي مع أنطون سعادة. محمد البعلبكي. دار نلسن- 2024. بيروت.”
هو الكتاب الذي كان صاحبه، يقف إلى الزعيم أنطون سعادة في الدار التي إستضافته بدمشق. وذلك قبل العودة إلى بيروت، بيومين أو بثلاثة أيام.
يروي نقيب الصحافة الراحل، محمد البعلبكي، كيف إلتقى الزعيم في الثواني الأخيرة من حياته. وكيف إنتسب إلى الحزب القومي الإجتماعي، على يديه. وكيف نفذ به حكم الإعدام، بعد ثلاثة أيام، من ذلك التاريخ.
محمد البعلبكي، كان حقا شاهدا على مرحلة. كان قائفا دقيقا، يستطلع الآفاق، ويسرد الذكريات، بأريحية الرجل المعنى، الذي ذاق طعم السجن لسبع سنوات في مرحلة أخرى.
“لا يزال يفاخر( محمد البعلبكي) حتى اليوم أنه كان يناقش أنطون سعادة في أفكاره قبل دفع مقالاته إلى الطبع في (صحيفته) “كل شيء” وبعدها. ولا يزال يتذكر تلك اللحظات الأثيرة من ذهب العمر.
يسرد لنا محمد البعلبكي، وجه المرحلة التاريخية التي عاشها لبنان. والتي كانت ثقيلة بالتيارات السياسية المتجاذبة. يحدثنا عن الأحداث التي مرت عليه، وكأنه إبن بجدتها.
” كانت تلك الأيام فاتحة لمعنى جديد.”
ينهض الكتاب في أساسه على المحاضرة التي ألقاها محمد البعلبكي في الجامعة اليسوعية في بيروت، في كانون الثاني-1961، عرض فيها بشكل موجز للحزب القومي الإجتماعي. تحدث فيها، عما كان يستكتبه الزعيم لإحدى الصحف التي كان ينشرها الأستاذ محمد البعلبكي. وقد أوفى، في عرضه، لكل الطروحات، بالتفاصيل الدقيقة وبالأريحية الشاملة. حتى كاد أن يكون ما إستكتب، يمثل النهج الدقيق، الذي يحكم المسيرة الحزبية.
إلى ذلك تتصدر الكتاب أيضا، بعض الصفحات التي أراد لها الناشر، أن تقدم هذا الكتاب، وتوضح الغاية منه.
” كان لي شرف تقديمه في تلك المحاضرة. وعندما أنهيت كلمتي صافحته وشعرت بتهيبه وتأثره كمن يستعيد جرحا نازفا. لا تزال صورته ماثلة أمامي وهو في علوه التسعيني يتحدث عن مشاهد وعن ذكريات وعن لحظات وعن مواقف عمرها، أكثر من66 عاما، وكأنها البارحة.” (المقدمة)
المقدمة، بقلم الأديب الأستاذ سليمان بختي. وقد إشتملت على كلمته التي قالها في تقديم النقيب محمد بعلبكي في ضهور شوير في 22 آب2015، بدعوة من مؤسسة سعادة، في إطار اللقاء السنوي مع سعادة في غيابه، تخليدا لذكراه.
وكان الأستاذ والأديب، رؤوف قبيسي، أكثر من شاهد، على وقوعات الموجز وإستكتابه وتحريره. وكان قد سبق أن نشر مقالته في صحيفة النهار بتاريخ 20/7/2013.
“أذهب إلى النقيب. أدخل مكتبه الأنيق الواسع المطل على البحر في بيروت… أشعر كأنني تلميذ يقابل أستاذا قديما له…”
ويضم الكتاب إلى ذلك، ملحقا للصور والوثائق. كما حمل الغلاف الأخير تنويها مميزا، وفيه يقول الناشر:
” هذا الكتاب هو تحية إلى روح محمد البعلبكي (1921-2017)، في الذكرى السابعة لرحيله. وهو بالأصل محاضرة ألقاها الأستاذ محمد البعلبكي في ضهور شوير قرب عرزال الزعيم في إطار اللقاء السنوي مع سعادة في 22 آب 2015 وبدعوة من مؤسسة سعادة للثقافة.
جاءت المحاضرة بعنوان “ذكرياتي مع سعادة”. وبالنظر إلى أهمية ما قاله البعلبكي في تلك المحاضرة، وخصوصا بما يتعلق بالهزيع الأخير من أيام سعادة في الشام. وذلك قبل إعتقاله وتسليمه ومحاكمته وإعدامه فر أقل من 24 ساعة. وتعميما للفائدة وتوسيعا للنقاش وتوثيقا لشهادات الكبار، كانت الغاية من نشر هذا الكتاب.
أخيرا، هذا الكتاب هو محاولة في توثيق الوقائع لأجل قيام سردية تاريخية حقيقية متكاملة، لحقبة سادها الكثير من الغوامض والظلال والإلتباسات.”
الكتاب يقع في93 صفحة تقريبا.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين