تونس – خاص ” ميزان الزمان ” الأدبي في بيروت :
“رَسَائِلُ إِلَى بَحَّارٍ” وَ “رَسَائِلُ أُخْرَى”
الإصدار الرابع للشاعرة وللكاتبة التونسية سليمى السرايري.
صنف: رسائل أدبية
عن دار اقورا قرافيك في 14 مارس 2024
تصميم الغلاف سليمى السرايري
تنسيق عام ملكان سليمان.
الكتاب في 270 صفحة ينقسم إلى:
الإهداء
تصدير 1
تصدير 2
الجزء الأوّل رسائل إلى بحّار
الجزء الثاني رَسَائِلُ إِلَى حَبِيبٍ
الجزء الثالث رسائل إلى حورية بحر
رِسَالَةٌ إِلَى أُمِّي
الجزء الرّابع رَسَائِلُ إِلَى أَصْدِقَاءَ
الجزء الخامس وَرَسَائِلُ أُخْرَى
الجُزْءُ السَّادِسُ رَسَائِلُ إِلَى أَبِي
رسالة إلى الحياة
قراءات نقدية تناولت الكتاب :
قراءات نقدية في هذه الرسائل للأساتذة الأفاضل:
من تونس: الدكتور مراد العصيدي-الدكتور المنذر المرزوقي-
الناقدة كوثر بلعابي-الناقدة جليلة المازني — الناقد المولدي عزوز.
الأستاذ محمد منير الزعبي من سورية.
الأستاذ هاشم خليل عبد الغني من الأردن.
مقاطع من محتويات الكتاب :
رسالة 10
حَبِيبِي،
لَمْ أَرْتَوِ مِنْ رِسَالَتِكَ الَّتِي وَصَلَتْنِي عَلَى جَنَاحِ نَوْرَسٍ نَاصِعٍ اَلْبَيَاضِ وَاَلَّتِي مَا زَالَتْ بِجَانِبِ سَرِيرِي تَنْتَظِرُ مُلَامَسَةَ أَصَابِعِي لَهَا مِنْ جَدِيدٍ لَعَلِّي أَعْثُرُ عَلَى ابْتِسَامَتِكَ بَيْنَ سُطُورِهَا وَأَسْتَنْشِقُ عَبِيرَ رَائِحَتِكَ فِي كَلِمَاتِهَا عَلَى إِشْرَاقَةِ اَلْكَوْنِ اَلصَّبَاحِيَّةِ اَلَّتِي تَسَلَّلْتْ فِي غَفْلَةٍ مِنْ اَلْجَمِيعِ عَبْرَ نَافِذَتِي لِتَسْتَقِرَّ عَلَى وَجْهِي اَلنَّائِمِ اَلَّذِي يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَيْقِظَ عَلَى صَوْتِكَ اَلْبَعِيدِ بَعْدَمَا رَكِبْتَ قَارِبَكَ وَغَادَرْتَ اَلْمِينَاءَ اَلْقَدِيمَ إِلَى جِهَةِ اَلشَّمَالِ إلى حيثُ الأحْلَامُ المَعْقُودَةُ بجَبِينِ السَّمَاءِ.
نَهَضْتُ مُسْرِعَةً وَتَدَثَّرْتُ بِمِعْطَفِي اَلْأَحْمَر ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَى رَأْسِي قُبَّعَتِي اَلسَّوْدَاءَ وَرَاوَغْتُ شَمْسَ اَلْخَرِيفِ اَلْخَفِيفَةِ حـتَّى أَقِفَ هُنَاكَ عَلَى تِلْكَ اَلصَّخْرَةِ اَلْمُعْتَادَةِ أُطِلُّ عَلَى اَلسُّفُنِ كُلِّهَا فَالْقَوَارِبُ اَلْمُسَافِرَةُ وَالْقَادِمَةُ مِنْ عِدّةِ جِهَاتٍ، مُخْتَلِفَةُ الأَلْوَانِ وَالأَحْجَامِ…
مُسْتَاءَةٌ أَنَا، مِنْ قَوْقَعَةِ هَذَا اَلْغِيَابِ اَلطَّوِيلِ، غَيْرُ مُبَالِيَةٍ بِلَفْحَاتِ اَلْهَوَاءِ اَلْبَارِدَةِ اَلْمُتَسَلِّلَةِ إِلَى جَمِيعِ أَطْرَافِي.
حَبِيبِي،
اِخْتَصَرْتُ اَلْمَسَافَاتِ كُلَّهَا كمَا اخْتَصَرْتُ جَمِيـعَ أَحْزَانِي وَتَعَلَّمْتُ كَيْفَ أَكُونُ آلَهَـةً تُشْبِهُ “بُوسِيدُونْ” اَلْعَظِيمَ كَيْ أَعُودَ بِكَ مِنْ بِحَارِكَ اَلشَّاسِعَةِ وَأَمْوَاجِكَ الْعَالِيَـةِ اَلْمُخِيفَةِ …
هَا أَنَا وَحِيدَةٌ إِلَّا مِنْ صَمْتِي وَشَوْقِي اَلْكَبِيرِ. أُلَوِّحُ بِيَدِي إِلَى كُلِّ قَارِبٍ قَادِمٍ، أَخَالُهُ قَارِبَكَ.
تَمَنَّيْتُ لَوْ ذَهَبْتُ مَعَكَ فِي رِحْلَتِكَ اَلْأَخِيرَةِ لِأُغَنِّيَ لَكَ أُغْنِيَتَكَ اَلْمُحَبَّبَةَ، لِنَرْقُصَ مَعًا لِلْأَشْرِعَةِ وَلِلرِّيَاحِ وَلَا نُعِيرُ اهْتِمَامًا لِلْمَوْجِ اَلْمَجْنُـونِ اَلْغَاضِبِ اَلَّذِي يَلْتَحِفُ زُرْقَتَهُ اَلدَّاكِنَةَ كَفَارِسِ اَلْمُحِيطَاتِ.
هَكَذَا يَمْضِي بِي اَلْوَقْتُ سَرِيعًا، وَقَدْ لَعِبَتْ اَلرِّيَاحُ بِجِسْمِي وَشَعْرِي فِي فَوْضَى غَرِيبَةٍ، فَتَشَابَكَتْ خُصْلَاتُـهُ وتَمَـرَّدَتْ، وَلَنْ أَسْتَطِيعَ فَكَّهَا بِسُهُولَةٍ.
فِي طَرِيقِ عَوْدَتِي إِلَى اَلْبَيْتِ، كَانَ وَجْهِي شَدِيدَ اَلْبُرُودَةِ وَعَيْنَايَ غَارِقَتَيْنِ فِي الدُّمُوعِ، لَمَحْتُ طِفْلَةً صَغِيرَةً جَالِسَةً عَلَى نَافِذَتِهَا تَصْنَعُ قَوَارِبَ وَرَقِيَّةً، خِلْتُهَا أَنَا، ابْتَسَمْتُ وَوَاصَلْتُ سَيْرِي وَأَنَا أَكْتُمُ تَنْهِيدَةً غَائِرَةً.
اِشْتَقْتُ إِلَــيْــكَ…
تَعَالَ…
—————-&——————
رسالة 62
حَبِيبِي،
حِينَ كُنْتَ تَسْأَلُنِي هَامِسًا وَنَحْنُ فِي حَالَةِ وَجْدٍ شَدِيدَةٍ: مَنْ أَنْتِ صَغِيرَتِي وَمِنْ أَيْنَ جِئْتِ؟
كُنْتُ أَصْمُتُ وَلَا أَجِدُ اَلْإِجَابَةَ وَقَدْ أَخَذَنِي عِنَاقُكَ إلَى عَالَمٍ يَقِفُ فِيهِ اَلْكَلَامُ عَاجِزًا وَغَيْرَ قَادِرٍ أَنْ يَنْبِسَ بِبِنْتِ شَفَةٍ.
هَا أَنَا هُنَا أَكْتُبُ لَكَ رِسَالَتِي هَذِهِ، لَأُجِيبَكَ عَنْ سُؤَالِكَ اَلْعَالِقِ إِلَى اَلْآنَ.
أَنَا يَا حَبِيبِي، جِئْتُ مِنْ انْبِثَاقٍ مَا، كَلَوْنٍ يُلَمْلِمُ شُعَاعَهُ مِنْ مِيسَمِ اَلْوَرْدِ. تَفَاصِيلِي اَلصَّغِيرَةُ قُدَّتْ مِنْ بُحَيْرَاتِ اَلشَّفَقِ وَمِنْ ظِلَالِ خَفْقَةِ أَجْنِحَةٍ وَمِنْ وَشْوَشَةِ غَمَامٍ عَاشِقٍ.
أَنَا رَذَاذٌ يَسِيلُ نَبِيذًا عَتِيقًا عَلَى شِفَاهِ اَلْأَشْجَارِ وَالْمَسَاءَاتِ اَلْخَالِيَةِ، وَفَرَاشَةٌ مَفْتُوحَةُ اَلْجَنَاحَيْنِ، أُعْلِنُ لِلْمَكْفُوفِينَ عَنْ نَوَافِذِ اَلشَّمْسِ كَيْ يَهْتَدِي اَلضَّائِعُ إِلَيَّ حِينِ تَضْرِبُ اَلْعَوَاصِفُ جَمِيعَ اَلْأَمْكِنَةِ وَيُهَرْوِلُ اَلْفَرَاغُ إِلَى تَجَاعِيدِ اَلسُّحُبِ.
عَلَى ضِفَافِ اَلصَّمْتِ أُعِيدُ شَرْنَقَةَ اَللَّوْنِ وَأُنِيرُ اَلْعَتَمَةَ بِالضَّوْءِ، فَالْقَمَرُ لَا يَضْمَنُ لَنَا اَلنُّورَ كُلَّ يَوْمٍ وَلَا اَلشُّمُوسُ سَتَتَجَاوَزُ اَلسُّحُبَ كُلَّ صَبَاحٍ، وَحْدِي أَخْلُقُ لِشُرُودِ اَلْغِزْلَانِ مَمْلَكَةً خَضْرَاءَ كَيْ لَا تَمُوتَ عِنْد يَبَاسِ اَلنَّهْرِ وَغِيَابِ اَلْمَطَرِ، وَوَحْدِي أَمْسَحُ دُمُوعَ الأَشْجَارِ الحَزِينَةِ وَأَرْسُمُ عَلَى أَجْسَادِهَا العَارِيَةِ ضَحَكَاتٍ وَأَفْرَاحاً كَثِيرَةً.
يَا حَبِيبِي، أَنَا لَمْ أَنْتَبِهْ يَوْمًا لِأَلْوَانِ أَجْنِحَتِي، لَمْ أَرَهَا وَهِيَ تَنْعَكِسُ عَلَى صَفْحَةِ الْمُحِيطِ، عَلَى جُدْرَانِ اَلْبُيُوتِ، عَلَى أَصَابِعِ اَلْمَكْفُوفِينَ وَعَلَى اَلْوُجُوهِ اَلْمُحَدِّقَةِ بِي كُلَّمَا تَفَاقَمَ نُورِي وَفَاضَتْ مَصَابِيحِي.
حُبُّكَ يَجْعَلُنِي، أُدْرِكُ اَلْآنَ مَنْ أَنَا، وَكَيْفَ أُزَيِّنُ مَا يَحْتَاجُهُ اَلنَّهَارُ وَمَا تَبْتَغِيهِ اَلْفُصُولُ وَكَيْفَ أُرَافِقُ أَشْجَارَ اَللَّوْزِ حِينَ يَهْجُرُهَا اَلتُّفَّاحُ وَتَلُفُّهَا اَلْخِيَانَاتُ.
سَتُفْصِحُ لَكَ مَشَاعِرِي عَنْ هُوِيَّتِي، عَنْ نَبْرَةِ صَوْتِي اَلْحَزِينِ، عَنْ تَشْكِيلَةِ أَلْوَانِي اَلَّتِي مَلَأَتْ أَرْكَانَ غُرْفَتِي وَقَلْبِي، وَعَنْ أَنِينِ اَلسَّاعَاتِ اَلطَّوِيلَةِ بِلَا مَوَاعِيدَ لِلِقَائِنَا وَقَدْ غَفَوْتُ عَلَى مَشَارِفِ اَلْحَدَائِقِ، وَحَطَّتْ أَجْنِحَتِي بِصَمْتٍ عَلَى زَهْرَةٍ حَانِيَةٍ.
حَبِيبِي:
يَنْتَابُنِي سُكُونٌ رَهِيبٌ وَأَنْتَ بَعِيدٌ عَنِّي فَتَتَسِّعُ اَلْهُوَّةُ بَيْنَ اَللَّوْنِ وَالْعَتَمَةِ فَأَنَا مَا خَلَّفَتْهُ اَلطَّبِيعَةُ مِنْ سِحْرٍ، وَمَا نَسَجَتْهُ أَصَابِعُ اَلْعُذُوبَةِ مِنْ رَوْنَقٍ، لَا أَنْتَحِلُ اسْمًا غَيْرَ مُشَابِهٍ لِاسْمِي وَلَا أَرْتَدِي قَمِيصًا أَضْيَقَ مِنْ حَقِيبَةِ سَفَرِي، كُلُّ دُرُوبِي رَحَلَاتٌ رَحِيبَةٌ، كُلُّ حَرِيرِي انْزِلَاقُ اَلْمَرَايَا عَلَى جَبِينِ اَلْوَقْتِ.
أَنَا فَرَاشَتُكَ، حُورِيَّتُكَ، مَلَاكُكَ اَلطَّاهِرُ يَا حُبِّي اَلْفَرِيدَ.
أَنَا أَيْقُونَةُ اَلرِّقَّةِ وَالنُّورِ اَلْإِلَهِيِّ، حَاضِنَةٌ أَسْرَارِ اَلْكَوْنِ وَشَرْنَقَةِ اَلضَّوْءِ حِينَ لَا شَيْءَ يَبْقَى سِوَى لَوْنِي اَلْقُدُسِيِّ فِي مَشْهَدٍ فَرِيدٍ هُنَاكَ عِنْدَ فَانُوسٍ وَحِيدٍ كَانَ يَنْتَظِرُنِي فِي اِشْتِهَاءٍ، هُوَ أنتَ يَا حَبِيبِي.
تِلْكَ أَنَا، فَهَلَّا أَجَبْتُكُ اَلْآنَ؟
أُحِبُّكَ.
الشاعرة سليمى السرايري