سوسيولوجيا الرواية العربية
شغف الأدباء والشعراء والنقاد والمؤلفين، أنهم متهمون دائما بكثرة القراءة. بكثرة الإضطلاع على الإصدارات الحديثة. وأنهم لا ينامون ليلهم، إلا وعلى صدرهم كتاب.
غناهم الذي يتكوكب في مزاجهم وفي ثقافتهم وفي أفكارهم وفي فلسفتهم. وفي تحصيلهم اليومي، ألا يدعون كاتبا ولا كتابا. أن لا يدعون كتابا، ولا مؤلفا، إلا ويقفون على بابه، ويطرقون مؤلفه، ويستفتونه في مسائل الثقافة، التي تشغل بال الناس، منذ قديم الزمان حتى اليوم. تماما
كالصيارفة، الذين يحككون العملات، ويتفحصونها. ثم ينبرون (لوضع سعر لها)، في سوق العملات. في سوق النقد.
الكاتب والأديب، الأستاذ سلمان زين الدين، واحد من هؤلاء النقاد الصيارفة، لا يدع الليل ، دون أن يطوى مع كتاب. ولا يدع الصباح، إلا ويشرق على أوراق. يجعلها تتفتح بين يديه، كما زهرة عطشى، للندى والنهار والشمس.
“على ذمة الراوي العربي. المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت-2024″، لسلمان زين الدين، تجد فيه أكثر من خمسين مراجعة لمؤلف وكتاب. وهو بالتالي يعبر عن سوسيولوجيا الرواية العربية، التي كانت تظهر تباعا في المكتبات. تراه يتتبع الرواية العربية، وكأنه موكل بها. يتقصى موضوعاتها المتنوعة والشاملة. ويقف على خطوطها وخيوطها. يحككها كما الحائك الذي يتفحص النسيج. همه أن يسلط الأضواء على عمل ثقافي جديد. ويبسط بعد ذلك ما إستطاع بسطه. يحاول جاهدا، أن لا تخفى عليه خافية، وهو الشاعر والناقد والأديب.
أهم ما يضطلع به عمله، أن يصنع للرواية العربية، سوسيولوجيا فاحصة لما فيها من عناوين مختلفة، تتساوق مع الأمكنة والأزمنة. تتساوق مع المراحل التي تتمرحل معها. دون أن يتبع منهجا معينا. ودون أن يخطط مسبقا لقراءاته المختلفة، أن تكون في طريقها لإستكمال مشرع نقدي متكامل. إذ كان على مدى سنواته الطويلة، يراجع المؤلفات التي تقع له، أو تلك التي يختارها. وما همه من كل ذلك، إلا الإضاءة عليها، بكل دأب. بكل شغف. وهذا ما يجعل منها مادة غنية لعلم سوسيولوجيا الكتاب، تماما كما هي مادة غنية، لعلم سوسيولوجيا الرواية.
كتاب “على ذمة الراوي العربي”، يقص علينا بإختصار روايات بعض الروائيين. يجعل من دفتي الكتاب، وعاء لجمع مادة نقدية. لجمع القراءات التي دبجها المؤلف. لجعلها مادة سوسيولوجية، للنقاد الذين يريدون إستطلاع السوق الأدبي، خلال مرحلة معينة. ولهذا ترى الكتاب متنوعا في مادته، بين السياسة والثقافة والإجتماع وعلم رواية الرواية.
ترى في كتاب “على ذمة الراوي”، أسماء مؤلفين يحضرون من كافة أرجاء البلاد العربية. من كافة أرجاء الأوطان.فتأخذ وأنت تتبع قراءات سلمان زين الدين، كيف تتساوق الثقافات. وكيف تتكون اللبنات التي تؤلف الرواية. بل كيف يستطيع سلمان زين الدين، بتجربته الطويلة في المراجعات النقدية، أن يقف على الشواغل الفنية والثقافية والسياسية والإجتماعية، بروح أدبية نشطة. غنية وكثيفة في آن.
على الغلاف الأخير لكتاب على ذمة الراوي(225 ص)، ملخص هذا العمل الأدبي والنقدي والسوسيولوجي:
” يشتمل الكتاب على قراءة في خمسين رواية عربية. تطرح أسئلة الواقع العربي في هذة اللحظة التاريخية. وهي أسئلة متنوعة ومختلفة. تتراوح بين السياسي والإجتماعي والتاريخي والبيئي والتربوي والإداري وغيرها. نذكر منها تمثيلا لا حصرا، الزلزلة السورية، الحرب اللبنانية، التحولات الجزائرية، المقاومة الفلسطينية، الإنتداب الفرنسي، الربيع العربي، الصراع السوداني، الجامعة التونسية، الحلم الأفريقي، التحولات الأسرية، الهجرة الشرعية، الهجرة غير الشرعية، الأقليات الدينية، الإستبداد السياسي، التطبيع الإجتماعي، التدهور البيئي، التقاعد الوظيفي، العقلية الذكورية، السيرة الذاتية، وغيرها. على أن السؤال نفسه، قد تطرحه غير رواية من منظورات مختلفة، وقد تطرح الرواية الواحدة غير سؤال في الآن نفسه.”
على ذمة الراوي العربي، لسلمان زين الدين، حشد من الأسئلة وحشد من الأجوبة. وجميع ذلك، يؤلف مادة دسمة، لعلم سوسيولوجيا الرواية العربي المعاصرة.
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين