شرنقة
الشًعر عند سليمى السرايري كصعقة كهربائية خفيفة أو كهزًاز لموجات المشاعر والأحاسيس الكامنة في الذًات المختبئة خلف اسوار الكتمان والحرمان هي كلمات قليلة لكنها بمثابة الخراطيش التي تخترق جميع الجدران وتكسًر جميع الحواجز وتدمًر كلً الحدود وتحطًم كلً القيود لتنفذ إلى غياهيب القلب فتصيب منه الأوعية والشًرايين فتبعث فيها شرنقة الحبً والجمال والشًوق مصحوبة بالشًجون والأحلام والاختلاجات المتنافرة حينا والمتجانسة حينا:
“كلّما تضاءلتْ تلك الشمعة
وتبدّدت تنهيدة في فجوة الليل،
يرقصُ مِرْوَدِي كقطّ مذعور
تنتفض فساتيني المخمليّة
في شهقة أنوثتها
تنزلقُ عبقا ملائكيا على حريري
حين تترنح أشجار الرغبة وتسقط واقفة ؟؟
حتما ستخضرّ بساتين المعتوهين
الذين اغتالهم السحر
وتزقزق بلابلهم على أغصان الشياطين….
افتح ذراعيك إذن، بحجم الأفق
هناك تجدني
أكتب حرفك على سجّاد الروح…
لترتفع غداً، سنبلة في القصيد…”
–
كما تشعل فيه لهيب المعاناة من لوعات العشق و الهيام أو من عذاب الهجر والفراق إنًه شعر الزًوًبعة بل زوبعة الشًعر إنًه عاصفة هوجاء تتلاعب بك رياحها و أمواجها إمًا لترفعك إلى عنان السًماء لتعانق الطًيور في شدوها وحريتها وإمًا لترديك إلى أخدود سحيق مليء بالشًجون و الحرقة فهو شعر مليء بالحياة في ادق تفاصيلها يلامس الروعة في تجلياته و حسن صياغته وترتيب مفرداته و دقة معانيه فخيط بمقاسات عالية الدقة للحرف و اللًفظ ولذلك اتسعت الدلالات بالتكثيف المتنامي و الانزياح الى فضاء خصب و التًأويل المفتوح :
يَقولُ الشَّارِعُ والموتى القدامى
والطفلةُ التي تسكن المرآة الحجرية قرب النهر:
لا بَرْقٌ. ولا مَطَرٌ يُغْرينا بِالْبَقاءِ.
تعود الذاكرةُ من صومعة النسيان
تحْمِلُ فـي حَقيبَتِهِا حِكاياتِ الْعُشَّاق
الَّذينَ قُتِلوا وَاغْتالَتْهُمْ الملاحمٌ.
يا امْرَأَة تَنْتَظِرُ فـي عُرْيٍ الزَّمَنَ الرَّمادِيَّ
لَـمْ يَعُد ذلك الشَّارِعُ يشاغب حواس آخر الليل.
مَنْ أَنْتِ أَيَّتُها الطّفلة الَّتي تَشْتَهيكِ الْـمَشانِق؟؟
وَالْوَجَعُ يَـخْنُقُ فَراشاتِكِ الْـمُلَوَّنَةَ.
ما زِلْتِ رَغْمَ طَعَناتِ الْـخَناجِرِ
تطاردين حُلُماً في مسارب خفيّة
تَهَبينَ نبضك المرتعش لِلسُّكونِ
لَكِ ما تَرْغَبينَ أَيَّتُها الطِّفْلَةُ الْغَريبَةُ
لَكْ نَجْماتٌ تَـجوبُ عَتماتِكِ
لَكِ مَطَرٌ يَمْلَؤُكِ
لَكِ جُرْحٌ وَوَجَعٌ يَئِنُّ
وَزَوْرَقٌ يَـحْمِلُكِ إِلى الشَّمْسِ
الشاعرة سليمى السرايري
وهكذا امتلكت الشاعرة التونسية سليمى السرايري،
الديوان الأول أصابع في كف الشمس
الديوان الثاني “صمت كصلوات مفقودة” مترجم الى العربية والفرنسية
الكتاب الثالث «حين اشتهانا الغرق”، الومضة الشعرية مترجم الى الفرنسية
أما الكتاب الرابع فهو «رسائل إلى بحار ورسائل أخرى”
سيولد بعد أيام من كتابة هذا المقال إن شاء الله.
نرجو للكاتبة التونسية كل النجاح في مسيرتها الأدبية الثريّة.
–
الأستاذ المولدي عزوز
تونس
أستاذ المولدي عزوز