حكاية أناي _ الجزء 30_

” ربيع ” ، دِفءٌ لا يُشبِههُ شيء …

كثيرةُ الشّكِّ والوَساوِسِ ، وسريعةُ الغضَبِ أنا .. فتحتُ الطّريقَ لِلهُمومِ ، والأحزانِ ، وضُروب الإخفاقِ ، تركتُها تأكُلُ في نَفْسي …

مرّ أمامي بَعضُ شَريطِ حياتي ..

رأيتُهُ ، ورأيتُها معه …

يا الله ، هل وصل بها الجُنون إلى هذا الحدّ ؟ أتراها تريد أن تسلُبَني حتى ذِكراه ؟ ألم تُقسِم بالدّم الذي يجري في عُروقِنا أن نكون ” أناي ” واحدة ؟ …

من عالَمِه ، من حيثُ يرقُدُ بسلام ، قال لي : ” شكراً لكِ . لم يخِب ظنّي بكِ .. “

عرضٌ سريعٌ لفَترةِ مرَضِه ، يوم سقَطَ أوّلَ سقطَةٍ والتي كانتِ القاضيَة . بعدَها لم يطُلِ الوقتُ وأطلّ المَوتُ بَغتَةً ، فأنا لم أظُنّ يوماً أنَّهُ سَيَموت ، بالرّغم من كُلِّ ما عاناهُ في صِحَّتِه .

مرّةً بعد مرّة ، كان يُبعَثُ من جديد ، ينهضُ من رمادٍ كالِحٍ ، اشتَدَّ سوادُه . لكنَّه في النِّهايةِ رحَل وترَكَ شَتّى أنواعِ الأسئلةِ الّتي لم أجِد لمُعظَمِها إجاباتٍ بَعد …

في البَّدء ، راحَت تَمُرُّ بي حالاتٌ هي إلى اليأسِ أقرب …

كان له قلبان ،
قلبٌ قُدَّ من صَخرٍ ، وآخر عُجِنَ بالعاطِفةِ والطّيبَة …

في بداياتنا ، لم نكن أنا و هو قد ألِفنا بعضنا البعض ، لكنّنا ما لبِثنا أن التقت روحَينا في أكثر من مكان …

وجدتُ فيه الدِّفء الجميل في اللّيالي الباردة . دفءٌ لا يُشبِههُ شيء …

دفءٌ رفعني بلُطف نحو السماء ، جعلني ألمس كل غيمةٍ وأعود بقطعة قطنٍ منها ، أبني عُشّنا الجديد …

حين كنت هناك ، كنت أقول له : ” لَيتني أموتُ الآن ، فأنا أخاف أن أفقدك وأنا صغيرةٌ لا حول لي ولا قُوّة ” . كان يهمس لي بصوتٍ خافِتٍ بِبُحّة النّشوان : لا قدر الله ، فأنا لا أريد لكِ أن تغادِريني أبداً ..”

هل غادَرتُه ؟ أكنتُ أنا ؟ أكانت هي ؟

أيُعقلُ أن أتركَ خَلاياي و أجزائي ؟

نعم .. ربّما .. فعَلتْ …

( جمانة السبلاني )