” نزار …أين أنت ؟ ” كتاب للشاعر والكاتب سهيل مطر , صدر حديثا ضمن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحاده , ومن المقرر أن تقام ندوة عنه السبت المقبل في قاعة بلدية تنورين يتحدث خلالها رئيس بلدية تنورين سامي يونس , راعي ابرشية البترون منير خير الله , الدكتور كمال كلّاب , رئيسة منتدى شاعر الكوره الخضراء المهندسة والشاعرة ميراي شحاده حداد , عائلة الشاب الراحل , مؤلف الكتاب الشاعر سهيل مطر ويدير الندوة بسام طربيه ..
على هامش الندوة , قرأ د. قصيّ الحسين الكتاب وغاص في محتواه وبعض تفاصيله ..
ينشر موقع ” ميزان الزمان ” هذه القراءة التي جاء فيها :
الكوما و الوجع الأهلي
لدى التطرق لمراكز الفكر، ولمراكز النشر، ولدور الثقافة والتربية والتعليم، لا بد من التوقف مليا عند مؤسسة: “منشورات، منتدى شاعر الكورة الخضراء، عبدالله شحادي الثقافي” التي لا تبتغي الربح. هذا المنتدى، بل هذة الجمعية، الذي جعلته الكاتبة والشاعرة والأديبة، الأستاذة ميراي شحادة، في عينيها. ولا غرو، فهي إبنة الشاعر المتميز الراحل عبدالله شحادة. و الذي لا يزال جيل من الشباب المتأدب، يعيش على إرثه الثقافي. وقد كانت الأستاذة ميراي كفوءة بوالدها. وقمينة و أمينة على شغفه، وعلى تراثه. وسخية في الآن نفسه، على نشر الكتب الأثيرة. لا تسأل عن كلفة الكتاب، بقدر ما تسأل عن أهميته في المجتمع. وعن دوره في التنمية الثقافية لدى الأجيال.
مهدت بذلك للإشادة، بدور الشاعر الراحل الأستاذ عبدالله شحاده. وبالأستاذة ميراي شحاده، لأنها كانت إبنة أبيها حقا، في تحقيق طموحاته الثقافية. بقدر ما كانت معجبة به. وفي المثل: “كل فتاة بأبيها معجبة”. فأجمل بها إبنة أبيها. وأجمل بها، شاعرة وكاتبة وناشرة وأديبة.
يعتني الكاتب والأديب سهيل مطر، بالوجع الأهلي في صورة الكوما. يجعله محور أدبه. ومحور نفسه. إذ لا تخلو منه الأسر مهما كانت صغيرة. ولا تستطيع الدور ولا البيوتات، أن تخفيه عن المشاهدة والمراقبة. كما عن التوجع والتألم والتضامن، مهما أحكمت غلق أبوابها، وعضت على جراحها. وليس أدل على ذلك من كتابه الأثير أقول، لا الأخير: نزار… أين أنت؟ مأساة إنسانية نادرة”. منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثقافي. 170 ص. ط: 2023.”
يحكي الكتاب وجعين: وجع الشاب نزار جرجس عبيد، لإثنتين وثلاثين سنة وهو لا يزال في الكوما. مأساته أنه دخل فيها على أثر إصابة نفسه بنفسه، ببندقية صيد. يحكي هذا الكتاب إذا: وجع نزار الذي لا يزال طريح الفراش حتى اليوم، على رجاء النهوض والإستفاقة، وإستعادة الحياة. تماما كما يحكي الكتاب الوجع الأهلي والعائلي والأسري والإجتماعي. ويصور قوة صبر نزار. وقوة صبر أهله: الذين لا يكفون عن الدعاء له بطلب الشفاء والنهوض واليقظة وإستعادة الحياة.
نجح الأديب سهيل مطر، في جميع الفصول ال32 ، التي حملها قصة نزار وأهله وأصدقائه. حملها أوجاع المجتمع. وأوجاع الوطن. كانت سطوره تترقرق مثل الماء، فوق الورق الأبيض، عله ينبت على صفحاتها خضرة الحياة. خضرة الإنبعاث، التي يرتجيها لنزار ولعائلة نزار.
يشتمل الكتاب على مقدمة روحية بقلم الأب إغناطيوس داغر. وعلى مقدمة طيبة بقلم الدكتور كمال كلاب. وعلى رسالة من وسيم إلى أخيه نزار. ثم تتالى فصول الكتاب ال32 تباعا.
يقول الأب داغر: “إننا نقرأ في حالة نزار وأهله تصحيحا لما يسود عالمنا من المادية.” ثم يتابع: ” من أجدر من الدكتور سهيل مطر، الخبير بالغوص إلى الأعماق، يقطف الجواهر والمعاني ويستكشف أسرار الحياة والموت..”
أما الدكتور كمال كلاب، فيقول: كان نزار يعيش في وضع محير. تراقبه، فتراه مفتوح العينين في حالة يقظة كأي إنسان… هل هو دون إدراك أو أنه يدرك ما يجري حوله دون أن يستطيع التعبير عن إدراكه؟ هل يشعر؟ هل يرى؟… حيرة رهيبة يعجز العلم عن الإجبابة عليها اليوم!”.
ويقول وسيم في رسالة إلى أخيه: ” أيها المقيم في الدار والبعيد… ملأتنا حبا وتعلقا. وأفرغتنا من كثافة الوجود.
كثير الإنشغال أنت حيث أنت.
وقاتل فراغنا في صمتك.
ومضنية حيرتنا في أمرك.. أية حكمة؟ أية مشيئة؟ أي مشروع. أي مصير؟.” .. يتابع قائلا: “كل يوم أجالسك وأسرد لك أحداث النهار. ونستمع إلى الأغاني التي تحب، ويأتي الليل، تغرق في نوم عميق، وأنا أظل صاحيا، أسرح في مسافات هذا الزمن الأليم.”
ونقرأ على صفحة تصدرت الغلاف:
” شاب في مقتبل العمر، أسمه نظام وعرف بإسم نزار.
في ١٦ أيلول١٩٩١، حمل بندقية الصيد وإنطلق في الأحراج القريبة من منزله في تنورين. وفي فترة إستراحة في إحد المقاهي،وبلحظة تخل، ودون إنتباه منه إنطلق طلق ناري من بندقيته، أصابه في صدره…
32 سنة في غيبوبة كاملة. في “كوما”… أين؟ في منزله. من يخدمه ويعتني به؟ أهله”.
هذا الوجع الأهلي والأسري والطبي والوطني، هو ما دفع الأديب والكاتب والشاعر، سهيل مطر أن يكتب سيرة هذا الشاب المتوجع: نزار. ان يكتب سيرة هذا الوجع العائلي. سيرة هذا الوعاء العائلي، المليء بالأوجاع. أن يلخص لنا حكاية مؤلمة تصيب الأفراد والعائلات، داخل الجدران المغلقة الأبواب. دون أن نرى دورا حمائيا للدولة، ولو خجولا، في رعاية هذة الحالات المؤلمة والموجعة حقا!
الكوما التي دخل فيها نزار منذ32 عاما، لامستني حقا. فقد أصيب بها أحد معارفي، منذ 30 عاما. وله ولدان: شاب وصبية. هما اليوم يعانيان الاوجاع ذاتها. أبوهما، طريح الفراش في الكوما، إثر صدمة قلبية. وقد اكمالا دراستهما الجامعية، وهما إلى ذلك في سن الزواج. كان الصبي، بعمر السنتين. وكانت الصبية بعمر السنة. وهما لا زالا يكبران في نفس البيت، مع أبيهما، بعد مغادرة أمهما، لزواجها بعد عام من الفاجعة.
نزار وعبدالله، وجهان لوجع واحد الكوما، والحياة العائلية الآسرة. وأما دور الدولة، واما دور وزارة الصحة. وأما دور المستشفيات الحكومية، ففي غياب تام عن وجع قاهر، يلامس الناس: الكوما.
فهل من يحتج. هل من يبادر. هل من يتحسس وجع الناس. !
د. قصي الحسين
أستاذ في الجامعة اللبنانية.
د. قصيّ الحسين