إستعادة لإرثه في ذكرى غيابه الاولى:
الرسام هاني مظهر تحرر من الهوية متماهياً مع عصفوره.
بقلم الكاتبة والاعلامية دلال قنديل
-×-×-×-×-×-
تحضرنا مدن العالم في لوحاته. عمق الوجوه بأفراحها والاحزان.
هكذا تشع لوحات الرسام التشكيلي العالمي العراقي الراحل هاني مظهر في الذكرى الاولى لرحيله في لندن.
يغيب الجسد وروح الفنان تحلق بنا للاعلى.
تتناغم الالوان بدرجات خافتة ونافرة،تشكيلاته متعددة الموضوعات.نحدق علّنا نصل الى المبتغى.
أعماقه الانسانية خُطت بالألوان.كسجادة بقطب خفية، تتستر تجارب الارتحال تقول ما يخفي، تبوح بما كان يتخفف منه.
(الفنان الراحل هاني مظهر)
كان هاني مظهر فناناً عالمياً بحق، كما كان عراقياً يشجب الحرب ولا يتحزب إلا دفاعاً عن ضحاياها.
تماهى هاني مظهر مع عصفوره، كأننا به اليوم يضم اللوحة بجناحيه.قال مراراً إن ذاك العصفور يحكم وعيه ولا وعيه معاً “…ربما كنته، فأنا مثله لا أقيم”.
المنفى لم يكن خياره بعد أن ترك بغداد وأتلف فيها أربعين لوحة كانت أعز ما يملك.
كسلحفاة تحمل بيتها على ظهرها، أطلت بغداد بوجوه نسائه، بليلها وضوئها وأشجارها.
الفنان هاني مظهر مع رسم من اعماله
مقت السياسة وكان رسام الكاريكاتير الماهر في التعبير عن سخطها منها.
خط مسيرة حافلة الى جانب صديقه الراحل ناجي العلي.كانت تلك الرسوم اضيق من عوالمه المتعددة.
جمالية الفن ان لا يحمل صوراً مسّبقة، ما يخرج من القوالب المرسومة ، ما يخلق لنا عالماً بأفق لا محدود، كان نتاجه زاخراً بالتجريب حد الانتفاضة على الذات.
نسير بين تقاطعات لوحاته بفرح المتلقي حيناً ووجَل الصامتين .حملت رسوماته قهر وعذابات شعوب منطقتنا في بداية مسيرته.
يعيد قراءة ذاته بتمهل” لا يمكن أن يعود الشباب بروحه التمردية ، لا نعود كما كنا يوماً ، وقد نعجب بما كناه رغم ما تضيف الينا التجارب من نضج.”
تأتي كلماته مستعادة من بعيد:
” اعجبتُ بإحدى اللوحات التي رسمتها في مطلع تجربتي.إبتسمت لذاك النتاج ولكل التبدلات التي حصلت أسعدتني ايضاً، لم اعد متمسكاً بما كنت اصبو اليه.”
صراحته في قراءة تجاربه لافتة.بتلك الروح فتحت له اليابان أهم معارضها.
” اليابانيون تأثروا فنياً بالحرب العالمية،اشعر انهم ربما لذلك فهموا تشكيلاتي ، يتلقونها كما هي،عالمنا العربي يضيره التصنيف للفنانين وليس لأعمالهم”.
العالمية دفعته الى الصفوف الامامية في المعارض، لم ينل ذلك من تواضعه .إنتقد تسليع الفن ، أغاظه ان البعض يرسم وفق مذاق ما يقتنيه الشاري، الغاليري لا يعرض إلا بحسب الطلب وليس وفقاً للذوق والمستوى الفنيين.”ككل شيء بات الفن سلعة، لم أخضع لشروط تسويق اعمالي.ولم أنتج تحت ضغط العرض والطلب.تكتمل اعمالي في لحظة إمتلائي بها وهو ما لا يستقر على نحوٍ او اتجاه الا بعد طول تجريب”.
أفكاره سابقت ريشته في خط أسوده والابيض. كما في نسج بساط الوانه على القماش.قد تبدأ اللوحة بفكرة وتنتهي بأخرى.
الزيت والاكريليك والالوان المائية، مزيج انتقى منه ما يتآلف ويروق لذائقة وجوه نسائه وأشجاره وعصافيره.
الجمال قضية إشكالية رافقت مسيرته، بقي مشككاً بنتاجه رغم براعته المعترف بها.
أرادنا ربما بذاك الشك أن نرتفع معه في تلك الرؤية، بملاقاة عصافيره المحلقة للمدى.
مازج فرح الالوان ليعود الى تصالحه مع كثافة الابيض وسعته غير المحدودة، لشبكه بخطوطه السوداء المتعرجة.
تصالح مع غربته باللانتماء، كان متباهياً بتحلل الهوية وتجاوزها كمسألة راهنة.جعل الاندلس موضوعاً لأحد ابرز معارضه، ترك إرثاً فنياً يُدرس بعضه في المناهج الاسبانية.
منذ مغادرته العراق عام ١٩٧٩ فقد مكتبتين ، وبقي الكتاب الورقي اوفى أصدقائه.القراءة كانت هاجسه اليومي، كان مسكوناً بها كما تسكنه اللوحة ، يعيد بناءها مراراً، تحاكيه وجوهها الصامتة، نساؤها بنظراتها الواعدة ، يطل الحب من شبابيكها، والدفء من ملمس قماشها،يمسك خيوطها، يلامس بريق وجوهها الى أن تستكين بين يديه.
عاش وغاب هاني مظهر وبقي اسير اللحظة التي منحته فرصة طفولية بدفع من معلمه في المدرسة الابتدائية. أتاح له إستخدام قاعة الرسم المخصصة للكبار المزودة بتدرجات اللون وكافة انواعه، دون أن يدرك حينها أنه بتلك البادرة منح العالم فناً مسكوناً بالطفولة حتى الممات.
دلال قنديل
إيطاليا.
الكاتبة والاعلامية دلال قنديل
الله يرحمه برحمته الواسعة وأسكنه فسيح جناته
شكرا للسيدة دلال قنديل على ماذكرته حول الفنان المبدع هاني مظهر وعن تجربته وترحاله وكذلك مساهمته الاعلامية من خلال الكريكاتير السياسي في العديد من الصحف العربية والعالمية …قدم الكثير في دعم المسيرة الفنية خلال تجاربه الخلاقة. سيبقى خالدا من خلال اعماله المنتشرة في بقاع الأرض.