كتب د. جوزاف ياغي الجميّل :
مدينة القيم في ملء الحرية
(قراءة أولى في رواية عادات غير سرية للأديبة عروبة شكر)
الحرية تنبع من دواخلنا
فمن لا يولد حرّاً لن يستطيع التحليق أبدا
عروبة شكر
الحرية! وما أدراك ما الحرية؟
الحرية جناحا طائر يجيد التحليق إلى أعالي السماء.
الحرية لحن يفيض به ناي الزمان، وسطر مكتوب بماء الأحلام.
ويسأل القارئ عن الحرية، إن كانت مكتسبة أم فطرية؟
إشكالية الحرية الحقيقيّة موضوع كتاب الأديبة عروبة شكر.
كيف يولد الإنسان حرا؟
ويتغيّر الكوجيتو الديكارتي ليصبح: أنا ولدت حرا إذا أنا حرّ؛ لأن الحرية الحقيقيّة تنبع من الذات كنبع يفيض بالماء، ويجري نحو مصبّه، أي نحو السماء.
الحرية طائر لم يولد في قفص العادات. وعادات الأديبة شكر معلنة على رؤوس الأشهاد. لا تعرف الصمت أو المساومة.
غلاف ” عادات غير سرية ” الرواية الصادرة عن دار ناريمان للنشر
عاداتها غير سرية لأنها دربها الوحيد إلى النور وتحقيق الذات.
عاداتها رفض الملذات. لذاتها الوحيدة انطلاقة الأنا إلى عالمها المرصود، في حقل الحرية الواعية المسؤولة.
أنا الروائية ترفض الخضوع لفلسفة القطيع. لا تهمها أقاويل الغير، في صخب المسافة الفاصلة بين النقطة والفاصلة. إيمانها أن ما يعتمل في ذاتها من رغبات يستحق الإشباع. ولا يتمّ ذلك إلا في إطار الحرية.
لذة الكاتبة ليست عادة سرية تختبئ في دهاليز التقاليد البالية المقيّدة.
ترفض الروائيّة شكر أن تخضع لثنائية العبوديّة والحرية. رائدها الفرح. فرح الأنثى في مواجهة عقدة شهرزاد الأبيّة.
عادات غير سرية كتاب يستحق القراءة والقراءة. هو كتاب المرأة / الحرية قبل أن تكون الأنثى الجسد.
ولكن غاب عن بال الكاتبة أن الحرية سيف ذو حدين، شعاع من ألق ينهمر كالمطر، في بوتقة جنون ذهبيّ الهمسات.وفي انهماره فعل تجدّّ للواقع التائه بين الحقيقة والخيال.
الروائية عروبة شكر
عروبة شكر، عاداتك ثورة معلنة في مواجهة ما يمس كرامة المرأة. حريتك رحلة إلى مدينة القيم، بل إلى جمهوريّة فاضلة لا مكان فيها للزيف أو للأقنعة.
الحرية، في القاموس الشكريّ ، انطلاق من فعل سقراطيّ يتجسّد في معرفة الذات، بل في فعل التذكّر الذي قالت به الفلسفة السيناوية، عندما يصف النفس، في قصيدته المشهورة فيقول:
سجعت وقد كشف الغطاء فأبصرت
ما ليس يُدرٓك بالعيون الهُجّع
وغدت تغرّد فوق ذروة شاهق
والعلم يرفع كل من لم يُرفعٍ
أوجه الشبه واسعة بين النفس عند ابن سينا والحرية في أدب الكاتبة عروبة شكر. فالاثنتان تكشفان أسرار الحياة، وترفضان القيد، والخفاء، أو الخضوع لسرّيّة العادات والرغبات.
عروبة شكر، أيتها الفيلسوفة التوّاقة إلى فعل ارتقاء، لك الطوبى، ولمدينة قيمك الإنسانية كل التقدير والحرية والفرح، تشربين كأس الإصلاح إلى الغاية، وفي ملء الآمال والآلام.
د. جوزاف ياغي الجميّل