” شيءٌ آخر عن آذار “
بقلم الإعلامي : أحمد علي الزين
-×-×-×-×-×-
… ومما كان يقول أهلي عن هذا الشهر : آذار الهدّار .
كنت أظنُّ أن هذه الصفة متعلقة بهدير الشلال المتدفق في ذاك السفح ، في بلدتي المزنرة بالجبال والغيب ، وليست كما عَرفتُ لاحقا أنها من أطباع شهر مارس الشهواني .
ولكن وجدت هذا الربط ،حسيّاً وجميلاً بين شهر العشق ودفق الماء في الشلال كما كنت اظنه في طفولتي .
كان يتضاعف هديره مع ذوبان الثلج في القمم، معلنًا احتفاليته الصاخبة، ببدءِ التحول والخصْب . وفي اندفاعه الانتحاري الهادر كسخط إله تعثَر في تأليف شيء ، يتصاعد في مداره غيمٌ كثيفٌ من رذاذه ، حتى يبدو كأنها تُمطرُ من أسفلٍ الى فوق .
في الليالي المقمرة تُضاءُ تلك السحابة البيضاء حوله ، فيصيرُ شلالاً من الضوء ، يتحوّل قُزحياً ساحراً في النهارات كشهوات العشاق .
تليق به اسطورة الخلق شلال آذار ،
اذ لصوته تفجر ٌ وجريان ٌ يزبد ُ، يتسرّبُ في عروق الارض والشجر .ويصقل الصخر يحوله الى منحوتات غرائبية .
لعلني ولدت من صوته أيضا ، في ليلٍ قمري ،
وولدت في مكان ما من الأرض أنثى ،
ولكن من تدفق اكثر انسيابا ،
أمّا ما تفتح َ من زهرٍ في الشجر وفي بستان أهلي وفي الارض هناك ، فهو من تأليفه أيضا ، تأليفٌ صامتٌ لا يُسْمَعُ ، يُشمُّ ، يُنسِّمُ فواحاً ، ويهمسُ لبعضه ، يتمايل حين يتفتح اكثر ، بألوانه التي امتصّها من غيمه القُزَحي .
حين سألت أبي لمن هذا الشلال يا أبي ؟لظني أنّ أحداً يملكه مثل مُلكنا لنبعنا “عين فاطمة ” ، فقال هو لا لأحد وللجميع، للناس والطير والدابة .. الملك لله ..
يومها كان مر َّعلى ولادتي سبع سنين وعلى ولادته اربعة مليارات سنة هكذا اكتشفت لاحقا حين بحثت عن عمر الماء . وهكذا كلما كبرت سنة اشعر بضآلة وجودي وجفافه حد الانعدام وبغزارة الوجود الازلي .
اللغة وحدها تمنحنا هذا المعنى لعبورنا الحزين .
شلال آذار ،
خدِرٌ نعاسه الضحوي كشهوة عاشق ،
شجيٌ صوت طيره حين غنت أمي .
مشتاق ٌهو بنفسه لشيء لا يعرفه ،
أينما كنت في الأرض يصِلُني بريُده ،
غيمةً داشرة ،
طيراً،
يبلغني السلام .
او رذاذا منه يبلل عيني .
سلام له ولأهلي ولتلك الأبام ..
الاعلامي أحمد علي الزين