وقّع الكاتب والمربي الأستاذ شفيق حيدر كتابه ” زاد الخريجين ” الصادر حديثا عن منشورات منتدى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الثقافي في احتفال أقيم بدعوة من المنتدى وجمعية قدامى مدرسة مار الياس / الميناء وذلك في قصر الميناء البلدي .
تحدث خلال الحفل الذي قدمه الدكتور جان توما : رئيس جمعية قدامى المدرسة الأستاذ جورج دروبي , رئيس منتدى شاعر الكورة الخضراء المهندسة والشاعرة ميراي شحادة حداد , الروائية لونا قصير , معالي النقيب رشيد درباس والمؤلف الاستاذ شفيق حيدر .
حصل موقع ” ميزان الزمان” على بعض الكلمات التي القيت خلال الحفل وهنا الكلمات :
كلمة المؤلف الأستاذ شفيق حيدر :
أيّها الأعزّاء
فيما أشكر لكلِّ منكم حضوره أرى أنّ من واجبي أن أنوّه بالخدمة الجليلة التي يقدّمها للحركة الفكريّة الثقافيّة “منتدى شاعر الكورة الخضراء عبدالله شحاده الثّقافي”. ولا بدّ من أن أنوّه أيضًا برئيسته السّيّدة الدكتورة ميراي شحاده حدّاد على جهودها وحماسها والتضحيات. ومن ثمار أعمالها إسهامتها في تأمين “خير الجلساء” لنا وسط القتام المستحكم، والظّلام المحلولك، فنلوذ بالمطالعة هربُا من أذى النّاس وشرّهم.
وفي معرض الشّكر أيضًا أنوّه بـ”جمعيّة قدامى مدرسة مار إلياس في الميناء” ومساعيها في توطيد رباط المحبّة بين المتخرّجين وأرجو من رئيسها الأستاذ جورج دروبي نقل تحيّاتي لأعضائها كافّة. أمّا المنتدون الأربعة ومقدّمهم الّذين نثروا من حلاوة نفوسهم عل صفحات “زاد الخرّيجين” فأكنّ لهم فردًا فردًا خالص الودّ. للصّديق معالي النّقيب رشيد درباس وللعزيزين الروائيّة لونا قصير والأديب الدكتور جان توما تحيّة العرفان والشّكران. إنّهم خبروا المدرسة حياة ومطرح تحابّ وما زالت ألسنتهم تلهج بطيب تلك الحياة.
وبعد الشّكر يحلو البوح بأنّ اهتمامي بتحضير محتوى الكتاب كان لي فسحة نشوة وظرف فرح بلقاء شباب أحببناهم وأحبّونا وعشنا معًا ذكريات ما زالت تلتمع.
أبطال الكتاب ألوف الشّابات والشّبّان أمّوا هذا الشّاطىء منذ بداية القرن الماضي، نشروا الوحدة يعيشون معًا، ويحافظون على حلاوة الطباع وحرّيّة الفكر وصدق الطّويّة حيثما حلّوا. وما كان “زاد الخرّجين” إلّا لتخليدهم في ذاكرة الوطن أحرارًا، عقلاء، غيارى ومحبّين. إنّها الشّخصيّة التي عملت مدرستنا، منذ التأسيس، على صقلها ومساعدتها فيما تربو وتزيد. والمبدأ الأساس عندنا هو “أنّ التّربية هي لقاء حرّيتين: حرّيّة المعلّم وحرّيّة المتعلّم”. بدون الحرّيّة لم نعرف يومًا ولن نعرف مدرسة اسمها “مار إلياس”. إنّها بوتقة أحرار ينشّئون أحرارًا. ومتى انطفأت شعلة الحرّيّة فيها ماتت وتعطّل فعلها. مدرسة بدون مناخ الحرّيّة لا تكون.
وأخيرًا أسجّل شكري العميق لبلديّة الميناء بشخس رئيستها بالتّكليف الأستاذة إيمان الرافعيّ وسائر المسؤولين فيها وموظفيها وعمّالها وفي مقدّمتهم رئيس الدّائرة الهندسيّة المهندس عامر حدّاد.
عاش خرّيجو المدرسة، عشتم وعاش لبنان.
كلمة الروائية لونا قصير :
“زادُ الخرّيجينَ”
“شاءَ اللهُ أن يتكوّنا في ظُلمةِ الرّحمِ، وجمعهُما جُرنُ المعمودية، وبدآ معًا المْشوار إلى فجرِ النّور في حُضنِ بيتٍ يحيا بشركةٍ مع الجماعةِ الكنسيّة، وتشغِلُه شوؤنُها، ولم يفصلْ بينهمُا إلاّ الموت”
. استعنتُ بهذه الكلمات من كتابِ صفحاتِ أنطاكيّة، المُهداة إلى شقيقِه الأستاذ نديم حيدر رحِمَه الله، للتأكيدِ أن هذه التوأمةُ البيولوجيةُ التي جمعَتُهما، لم تكن يتيمةً في مسارِ حياتِه، فكلُ مهمةٍ أوكلَتْ إليه، هي بمثابةِ توأمِهِ الآخر، وارتبط اسمُه ارتباطًا وثيقًا ومتينًا بها. في كل مهامِهِ يضعُ فيها من نفسِه وروحِه، لإتمامها على أكمل وجه، هو ابن الكنيسة، المؤمن بالرسالة الإلهية، ألا وهي المحبة والسلام.
أستاذ شفيق حيدر، مقتنعٌ ومؤمنٌ .”أن الله منَّ عليه أن يستمرَ في التحدّثِ عن أنطاكيّة ومجدِها وتاريخِها من أجلِ أرضٍ يسودُها العدلُ والسلامُ”، فالتحقَ بالحركة الأرثودكسية، وطرحَ مواضيعَ عديدةً وجريئةً، لا تتعارضُ مع مبادئ الكنيسة، بل تسلطُ الضوءَ على ممارساتٍ مستهجنةٍ لا تمتّْ إلى خيرِ الكنيسة ورعاياهَا بصلة.
رجلُ المُهِمّات، حملَ مسؤولياتٍ عديدةً وشاقةً في الوقتِ ذاتِه، فهو عمِلَ في الثانوية الوطنية الأرثودكسية كمنسّقٍ للغةِ العربية، ودرّسَ فيها اللغةَ والفلسفةَ الإسلامية العربية، قبل أن يستلمَ منصبَ مدير.. أدارَ هذه المؤسسة بكلِ شغفٍ ومحبة لعقودٍ طويلة، فطوّرَ البرامجَ التربوية، وحسّنَ آدائِها، وبرزَ دورُ الكنيسة التربويّ في خدمةِ أهلِ المدينة، وحمىَ المعلمَ ومهنةَ التّعليم عامةً، وجاهدَ من أجلِ الحِفاظ على حُريتِها خاصةً في الحقباتْ الصعبة، مُتحدِيًا كلَ العوائقِ، فهدفُه الأساسُ نشرُ العلم والمعرِفة، لأنه على يقين أن جميعَ الحضاراتِ المختلفةِ التي تعاقبتْ على مَرِِّ التّاريخ، كان العِلمُ هو السِلاحَ الأقوى الذي يُمكنُ للبشريةِ أن تتزوّدَ بها.
في بدايةِ الحربِ الأهلية، حضنَ أستاذ شفيق كل من يرغبْ بمتابعةِ علمِه بعيدًا عن الفوضى والحرب التي كانت تستشري في الوطن، ولم يسلْ عن طائفة أيِّ تلميذٍ أو دينِه أو عرقِه، فما أن تدخُلَ إلى هذه المؤسسةِ العريقةِ حتى تنسىَ ما الذي يجري في الخارجَ.
سرعانَ ما ذاعَ صيتُها لحُسنِ إدارتِها ومهارةِ أساتِذتِها، وبدأ الأهالي يتوافدون من جميعِ المناطقِ لتسجيلِ أبنائِهم، فأصبحت مدرسة مار الياس لؤلؤةَ مدينةِ الميناء، فهي الصورةُ لوجهِ لبنانَ الحقيقي، الذي نريُده، لبنانْ العيشُ المُشْتَرَك والانفتاح والتنوّع.
لقد أثمرتْ جهودْ أستاذ شفيق، وتخرّجَ على مدى عقودٍ من مدرسة مار الياس أفواجٌ عديدةٌ، ومع كل تخرّجِ كان يُطلقُ بفرحٍ وسعادةٍ أفواجًا جديدةً من عصافيرِ الحياةِ إلى الحرية، مطمئنَ البالْ، لأنهم مُحصّنونْ بالعلمِ والمعرفة، ليُكمِلوا مسيرتَهم بعزمٍ وثقةْ في رحابِ هذه الحياةِ الواسعة.
هذا المساء، يضعُ أُستاذنُا بين يديّنَا مولودَه التاسعْ، فهو لا يقلُ ابداعًا عن مؤلفاتِه السابقةْ. استنتجتُ من خلالِ قراءتي المتواضعة أن المبادئَ التي تعلمنَاها منه منذُ عقودٍ مديدة، ثابتة ومتأصلة في جذوره، فرُغْمَ كلِ الصعوباتِ التي واجهها خلالَ مسيرتِه الإبداعية، سَواءَ كانت خاصة أو عامة، لم تستطع أن تزعزعَ من عزيمته، “إيمانا منه بأن مستقبلَ لبنانْ في أيدي المُربّينَ الّذين يُسهمونَ في إعدادِ الإنسان المنقذ” ، وهو لا يزالُ حتى يومِنا يعمل بلا كللٍ ورُغمَ كلِ المآسي والويلاتْ التي نشهدُها ونعيشُها.
زادُ الخريجينَ هو كتابٌ لتشييدِ الوعي باسلوبٍ ممتعٍِ وواضحٍٍ، يتضمنُ قِيّمًا تنوّرُ دروبَ شبابِنا، قبلَ ابحارِهم في رحلةِ الحياة.
هو الزادُ المعجونُ بخبزِ الحريةْ، والفكرِ والعلمِ، وتاريخٌ مليءٌ بالعمل، والخُبُراتْ والحكمةْ، جمعَها في كتاب ليُنيرَ طريقَ شبابِنا فهُمُ الرجاءُ بالصبحِ الآتي؛ والغدُ والمستقبلْ.
لم يغفلْ أستاذ شفيق عن أمرٍ إلا وذكرَه بكلِ صدقٍ وشفافية، فجاء الزادُ كاملاً متكاملاً كتابةً ومضمونًا، فالويلُ لكل بحارٍ يبحرُ على سفينةٍ دونَ شِراعٍ يحميه من عواصفِ الرياح العاتية، وهنيئًا لكلِ من وجدَ نفسَه بين سطورهِ فهو ارتقى إلى المعنىَ الحقيقي لكلمةِ إنسان، التي تُجسّدُ مغزىَ الوجودِ من أجلِ العبورْ إلى دُنيا الحقْ بسلام..
هنيئا لك ولنا هذا الكتاب المُشوّق، ودمتَ لنا الشُعلة المضيئة التي لا تنطفئُ طالما نحن على قيد الكتابة…
كلمة الشاعرة ميراي شحاده :
أيّها المُحتَفى به، أيّها الحفل الكريم
أيّها الضيوف الأعزّاء
وأنا أغدو إلى كرمة أحلامي في كلّ صباح، لأتفقّدَ داليتي الصغيرة وهي تحبو على حفافي الذكريات مع والد تركني طفلةً جدًّا وترك لي في أدراجه مدناً من معلّقات وقوافلَ من سطورٍ وأمجاد…كان يلزمُني ذرّةَ خردلٍ من الإيمان والقليلَ من الحبّ ، القليلَ فقط، حتى أقفَ اليوم أمامكم وداليتي هذه تُعانقُ الأفق، تهاتفُ الشهبَ باسم عبدالله شحاده، باسم شاعر الكورة الخضراء.
وشرفٌ وإكبارٌ لمنتدى شاعر الكورة الخضراء أن تتلألأ منشوراتُه في ربيع نوّار بوهج “زاد الخرّيجين” فالزادُ هو للطامحين كباراً وصغارَ، فكلُّنا من خرّيجي الحياة نعبرُ فصولها وفواصلَها ونموتُ بين مراحلها، ساعين لتفتّقِ الأمجادِ في أقلامنا ومن رحم دواتنا يبزغُ فجرُ عبقرياتٍ جدد مزركشةٍ بالحكمة والمعرفة والضياء.
أ.شفيق حيدر: أيّها المربّي الرسول والبلبل الشّادي، غبطتي اليوم أن أرى خرّيجي ثانوية مار الياس الأورثوذكسيّة ملتفّين حولَك، وأنتَ مَن وقفت أجمل أيّام حياتك على تربية هذا النّشء تبدعُ وتخلقُ، وتستصرخُ الأجيالَ الطّالعةَ أن تصومع أمجادَها، وتبتكر أساطيرَها، وترتفع أعلامًا خفّاقةً، وأرزًا مخضوضرَ الخفقات، فوق قِمَمِ التّاريخ وشرفات الأيّام واللّيالي.
ومن هذه الرّوضة الغَنّاء، من الميناء، تحلو المنابر وهي تتغانى بعطرالشفيق وشذا الحيدرالأخّاذ!
من قال أنّ غودو لن يأتي!
لقد عاد غودو يا أبي، ومع كلّ إصدار يحملُ اسمَك، أراني ك بينيلوبّي وأنا أحوكُ قميصَ الانتظار بوفاء الحبيب وأرقب عودة أوديسيوس حتّى أراك في دنان الكتّاب والشّعراء…
زادُ الخريجين عبورُ إلى الضوء، وقنديلُ ديوجين على صفحات هذا الكتاب، يُعلنُ ولادة الضوء وموتَ الجهل والفناء…
يعلنُ مقاومة ثقافيّة تنهضُ بها بلاد الأرز، لبنان وتنتصر!
عشتم ، عاشت المدرسة الوطنية الأورثوذكسية ، عاشت الميناء، وعاشت الفيحاء وعاش لبنان.
خلال حفل التوقيع