كنت أشتهي…
***
كنت أشتهي منك عناقاً صرّاراً
لكنّني دُهست في صرير الكفّار
مَن سمّروا أشلائي منذ عامٍ
في بيروت
فوق أبراج الدمار..
أعذرني يا وطني
فجواربي ثُقبَت وجيوبي سُبِيَت
ودمائي سدى سُفِكَت
فوق قبور أحلامي…
قلبي نخرته الغربانُ
وأدمت نديّاتي
وجوَّفتني أنيابٌ وطغيانُ!
أعذرني يا وطني
مواقيتي حنّطها الزمكان
وسمائي استوطنتها الأحزان
يُمطرُني من عليائها ذلُّ وهَوانُ…
كنت أشتهي من ترابك لي مثوى
وحضناً يكتنفني في نهايات عبوري!
كنت أشتهي
فضاءاتٍ تحلّق فيها طيوري
كنت أشتهي قبلاتِ الربيعِ
وغنوةً ورقصةً في ربوعي
من هوى دثّرْتَه بين سطوري
اعذرني،
أزورك في ليلي وأحملُ كفني
بين ناسٍ خلتهم أهلي وخلّاني
رغيفهم بؤسٌ ووقودهم عارُ…
كنت أشتهي الفراق
كي أعود إليك في شغفي!
أنا لن أعودَ، فاعذرني،
هنالك في أرضِ التّليل
التهمتني
فكوكُ الغدر وأجيجُ نارِ!
ربما أولدُ في صمت حقولك يوما
زيتوناً أحمرَ وقمحاً أحمر…
بلون شراهة الدماء!
وربّما في رحلة الماء
من جوف الأرض
إلى رحم السّماء
تغيثك السحبُ بعضاَ من دماء الشهداء!
دماءٌ بنكهات النفط وعطور الأمونيوم الساحراتِ…
وُضِّبت في قواريرَ
حُفِرَت عليها في كلّ آب أسماءُ أمواتٍ ومنافي!
بيتي فارغٌ ونعشي فارغٌ منّي
وأنا فرغتُ منك يا وطني
وعمري
فرُغَ منّي…
اعذرني، لن أعود إليك
أنا اليوم حرٌّ من أغلال أوجاعي!