التاريخ: 15/07/2021
المقال رقم 27/2021
رسالتي إلى الأسيرة أم يافا – خالدة الجرار
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
“أم يافا، أنت لست أسيرة بل نحن الأسرى…”
كتبت الأسيرة السياسية الفلسطينية، خالدة الجرار – أم يافا، في مصاب ووفاة ابنتها سهى في 13 تموز 2021: “حرموني من وداعك بقبلة، أودعك بوردة، فراقك موجع، موجع.. ولكنَي قوية كقوة جبال وطني الحبيب”.
حكايتي لليوم هي رسالة أتوجه بها إلى الأسيرة الغالية لأقول لها، إطمئني فأنت الحرة ونحن الأسرى. كلامي هذا ليس عاطفي وإنما حقيقة.
أعزيك بوفاة سهى ولكن، صدقيني إن روحها تعيش حياة سرمدية وسترين تلك الإشارات. لقد توفي أخي في فرنسا، زياد عادل بركات، ذاك الإنسان الذي عرفه الناس جميعًا على أنه طاهر ومحب، إنساني ومخلص لقضاياه جميعا. أتعلمين يا أم يافا أن الإشارات الجميلة الرحموية لا تغادرنا؟ هل تعلمين أن يمامة دخلت إلى بيت العزاء واستقرت فوق صورته؟ وهناك الكثير الكثير بعد…نحن لا نموت يا أم يافا وأم سهى. نحن خلقنا لنعيش ولنصنع الحياة. فلسطين علمتنا أن الفلسطيني شهيد والله قال إن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون.
أما أسرك هذا، فاعلمي أنك أنت الحرة طالما هناك أسرى في السجون الظالمة تلك، فهذا يعني أن كل من يعيش خارج زنزانة بشكل غرفة، هو ميت وسجين. أنا أسيرة يا أم يافا. أنا منفية عن وطني فلسطين وعن مدينتي يافا وعن بيارات جدي ودورنا وعن بحري وهوائي وطيوري ونهري وسمائي وجبالي التي تزرع النرجس الجميل والورود المشاغبة…أين أنا يا أم يافا؟ أنا مستلبة. أنا في زنزانة ليست مربعة وعلى شكل غرفة كما قلت، أنا في زنزانة أوسع من زنزانتك لكنها موحشة…موحشة…كما وفاة سهى هو موجع… موجع… فزنزانتي صخرة آلام وبحار من الجروح والمواجع…
يا أم يافا ماذا أقول لك؟ أنت تعيشين في تلك الغرفة المعتمة لكنها تشع نور. هي رمز للكرامة والروح السامية. أما من هم قاعدين ينعمون بملاليم فانية تريهم فاقدي الأهلية لأنهم باعوا أنفسهم للعتمة.
وفاة سهى سيقويك أكثر وسينعم عليك بمزيد من الصبر. أليس الله مع الصابرين؟ فماذا نريد أكثر؟ تواصلي مع الإله كما تحبين وكما ترين ومدي يداك باتجاه السقف، فاعلمي، هذا السقف وهمي، زنزانتك سقفها السماء وأنت الطليقة الباسلة.
أنا التي تعاني من مد يديها، أنا الرمال المتحركة التي تعيش في علبة. والسحاب ما هو سوى سراب. لم أسمع يوما هدير الموج ولم أشم رائحة سمك البوري في يافاي ولم أتذوق برتقال جدي، أنا المتكاسلة والكسولة في مطالبي وهناك ألف إنسان وإنسان ينتظر مني هفوة ليوقع بي ويشتمني ليشتم شعبنا، ليمزقنا أكثر.
كوني بأمان، السجان يعلم أنك روح متلألئة وأنه فقير النفس. وكذلك كل من يتاجروا بنا. أموالهم بخسة صديقيني مهما علت الأرقام…إن رقمنا هو الرقم الصعب يا عزيزتي ورقمك مع كل الأسرى على اختلاف رؤياهم، هو الرقم الذي فاق الخيال بصعوبته.
وكما قال محمود درويش، أنا لست لي، لكن أنت بالطبع لك. أنت بالطبع لك…
هذه رسالتي لك يا أم يافا، يا أم سهى التي تعيش أجمل وأنقى حياة. أختم تلك الرسالة لك، بمحبة عارمة وقبلة على جبينك الشامخ، اعتبريني ابنتك، اعتبريني سندك، أنت رمز مريم الفلسطينية، الصابرة على كل أنواع الجراحات. نحن حفيدات مريم يا أم يافا وهذا أجمل ما في الوجود…
لا تلتفتي إلى زنزانة من ورق فزنزانتنا من حديد، لن نتحرر سوى بتحريركم أسرانا البواسل.
رحم الله سهى التي انتقلت وعبرت إلى دنيا الحق وغادرت دنيانا الظالمة.
أحبك وأنتظر نفسي معك لأنعم كما تنعمين بحرية حقيقية لا وهمية، يا خالدة في سماء فلسطين، يا أم يافا، يا خالدة الجرار