الأصوات الباطلة
مئة عام على تأسيس لبنان الكبير، لم تصنع له صوتا مسموعا في أذن العالم.
مئة عام على تأسيس الكيان، وما عرف اللبنانيون، وحدة الهدف، ولا وحدة الصوت.
عشرات الثورات التي إحتكم إليها اللبنانيون. دخلوا فيها وخرجوا منها. فما جمعتهم، ولا وحدتهم، ولا وحدت عندهم الصوت، بل كانوا يصيرون كل يوم، أكثر نبذة. يصيرون أكثر فرقة. يصيرون ك”تفاريق العصا”.
ما ناموا يوما هادئين. ما عرفوا ليلة هادئة. كل يوم إلى إشتباك. كل يوم إلى إشتباك جديد، غب إشتباك قديم.
يعيشون كل يوم بيومه، على قلق من أمسهم. يضعون أمسهم قدامهم. يضعون قبورهم قدامهم. ويأخذون في العويل وفي النحيب.
يستيقظون كل يوم على هم، على مشكلة، على نأمة. ولا يعرفون الإستكانة ولا الهدوء.
يختلفون كل يوم، على لون السماء. يختلفون كل يوم على طعم الهواء. يمتطون كل يوم أحصنتهم الخشبية، وينزلون إلى الساح.
يتسابقون يتراشقون، يتقاتلون، لإختطاف النجمات. أو لإختطاف القمر.
مائة عام، لم يجمعوا على قضية. مائة عام لم يتفقوا على شرط الصداقة، ولا على صفة الصديق.
يقلقون من بعضهم، كما تقلق فقاعات الماء، أو كما يقلق الغثاء، أو كما يقلق الزبد. ولا يمكثون على رأي. ولا يستقرون. ولا يقرون.
اللبنانيون منقسمون على أنفسهم. يعيشون على الإنقسام. يعتاشونه. بل يعتاشون من الإنقسام.
يشحذون سيوفهم على بعضهم، ينضلون بعضهم. لا يوفرون كرامة. ولا يوفرون عرضا. ولا يوفرون قبيلة أو عشيرة، إلا ويغذون، تجريحا وتقتيلا.
إعتادت أمم العالم على تباريح اللبنانيين. على مواجدهم. على نكاياتهم. على مناكفاتهم.
إعتادت دول العالم على خطاباتهم. على سجالاتهم. على تفاهاتهم.
إعتاد قادة العالم على صغائرهم. على أصواتهم، على رهاناتهم. إعتادوا نقيقهم، من الصباح حتى المساء.
صاروا يحسبون كل صوت منهم، صوتا باطلا. ذهبت ريحهم. أضاعوا تاريخهم. صارت أصواتهم، بين أصوات الأمم والشعوب أصواتا باطلة.
فلا مؤتمر بعد اليوم لأجل لبنان واللبنانيين، ولا إجتماع، ولا دعوة، ولا مساندة، ولا سعفة، ولا سلفة. ولا تأييد ولا تنديد.
اللبنانيون أبطلهم دهرهم. صارت أصواتهم، كلها باطلة.