المدينة التي لفظت ابناءها بيروت الثكلى على ضحاياها هي الأم التي اودى الموت بحياة إبنها ففضلت منحه الحب بموته قبل الموت ..مونودراما
حنان الحاج علي الممثلة القديرة المتفاعلة مع جمهورها براحة سيدة المسرح والسلطانة المرنة بجسد طليق يلبس ويخلع..بحجاب متستر بشعر مستعار يغطي حجاباً آخر يتلاءم مع خيال المشاهد وروح الراوية..
يتوارى النص خلف الحركة السريعة رغم فقدان اللحظة مرة لإلتقاط الجمهور بالمشاركة والتفاعل بقراءة متطوع من الحضور إستهلالية تمهد للرواية او مشاركته بدور كومبارس في مقطع آخر تستنجد بنا حنان لنبقى يقظين لكل تفصيل ولا يفوتنا الركض واللهاث اليومي في دائرة موتنا المغلقة على الكتمان..
أعادت حنان للخشبة إستقلاليتها بتوجيه دعوة للحوار بعد العرض وبإعلان رفضها الرقابة المسبقة للعروض المسرحية بتحد بليغ .
جوغينغ استعارت من هاملت
و ميديا، الأميرة السابقة لمملكة كولشيس “البربرية”، وزوجها ياسون؛ وذلك حين وجدت أن موقعها في العالم اليوناني التي تنتقم بقتل أطفالها وقتل زوجته الجديدة، ثم الهرب إلى أثينا لبدء حياة جديدة.
لتركن الى قصص سيدات مستعبدات بالقهر حد إختيار الموت على الحياة والقبض على فيض العاطفة بعد الفقدان بمواجهة فجة للحقائق المخفية لرسالة مقاتل لوالدته يدعوها أن لا تصدق “سيقولون أني مت شهيداً لقد قتلوني لا اريد قبرا تنثرين عليه الورود لا أريد أن يتاجروا بقبري ولا بإسمك أم الشهيد “
الموت والإنتحار متشابهان في التخفي والإخفاء .. شريط ايفلين الذي سجلته قبل إنتحارها الموجه لزوجها فضل أهلها إخفاءه كمن ينظف منزله بوضع أوساخه تحت السجادة.
هكذا بالجسد والصوت دون إضافات أسرت الحضور راويةً حكاية ايفلين التي نحرت بناتها الثلاثة وانتحرت معهم بدس السم في سلطة الفاكهة مزينة بالكريما التي تقول حنان مقلدة ايفلين إنها اشترتها من صنف تركي الآن بعد إنعدام قدرة اللبنانيين على شراء الماركات الأوروبية ..
بإلفة تعلق صنارتها الساخرة من حياة باتت عبئاً على أبناء مدينة لفظتهم لشدة تعلقها بهم..
بهذه الروحية ماذا نقول عن مسرح يأتينا مهموماً بمشاغلنا ومآسينا ويومياتنا ويجول العالم حاصدا الجوائز قبل أن يحط في دياره؟
وربما لولا فكرة العرض لدعم انشطة المنظمات المدنية “مدى” لأكمل دورته جوالاً حول العالم قبل أن يطلق صرخة تصحي اوجاعنا.
- الكاتبة والاعلامية دلال قنديل ياغي