يننشر موقع ” ميزان الزمان ” الأدبي والفني في بيروت مداخلة الناقد والشاعر التونسي سمير بية التي حملت عنوان ” البنية الحدثيّة في مجموعة (هنا لندن) للقاص العراقي أحمد الكعبي” .
المداخلة قدمها خلال الورشة 13 / الملتقى الأول للإبداعات السردية في رحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح بادارة الكاتب حمدي عقبي .
وذلك يوم الجمعة 28 أيار ( مايو ) 2021 , وكان ضيف الشرف الناقد الدكتور عاطف الدرابسة , بمشاركة : الروائي عمر سعيد , الكاتبة والشاعرة البحرينية د.جميلة الوطني. الشاعر والقاص العراقي أحمد الكعبي, الشاعر والناقد العراقي د. مسلم الطعان, الروائية والمترجمة المصرية أمل رضوان..
(لمتابعة الفيديو الكامل لوقائع الورشة , إصغط على الرابط أدناه )
هنا نص مداخلة الناقد سمير بية حول ” هنا لندن ” للكاتب العراقي أحمد الكعبي :
البنية الحدثيّة في مجموعة “هنا لندن” للقاص العراقي أحمد الكعبي:
الملتقى الأول للإبداعات السردية في رحاب المنتدى العربي الأوروبي للسينما والمسرح والذي نظمه صديقنا السينمائي والفنان حميد عقبي من الفترة عشرين إلى نهاية شهر مايو الفائت، كان حافلا وثريا ولعله أهم تظاهرة أدبية عربية إفتراضية ونعجز عن شكر هذا المنتدى الذي يجمعنا من مشارق الأرض ومغاربها في واحته الإبداعية المتجددة دوما وكان لي شرف المشاركة كناقد حول نصوص القاص العراقي أحمد الكعبي في مجموعته القصصيّة “هنا لندن” وإليكم مداخلتي حولها.
تمهيد: إنّ الحدث في القصة القصيرة من أهمّ المقوّمات التي تقوم عليه و تتحقّق في شكلها الكلاسيكي، و بحكم أنّ فضاءها محكوم بالاختزال فقد تقوم القصّة على حدث رئيس يمثل كبؤرة تدور في حدودها ركائز القصّة القصيرة الأخرى كالعقدة والحبكة و الشّخصيات و المكان و الزّمان، و بذلك يكون خيطا واصلا فيشدّها إلى بعضها البعض إلا أنّ تطوّر القصّة القصيرة في بنائها و مضامينها جعل الحدث يتنازل عن سلطانه ليرضى بتقاسم الأهميّة مع مختلف عناصرها، بل قد يغيب تماما في معمعان السّرد و يتشظّى و هو ما نلمسه في عدّة أقاصيص من مجموعة”هنا لندن” للقاصّ العراقي أحمد الكعبي فما خصائص البنية الحدثيّة لديه؟
1- البناء التّقليدي للحدث:
وهنا ننوّه إلى ما يسمّى بمراحل الحدث الثلاث و هي البداية و الوسط و النّهاية التي تتحقّق من خلالها وحدة الحدث فيكتسب بذلك معناه. حيث البداية المختارة بعناية توجّه من القاصّ إلى الوسط الذي فيه تنشأ العقدة وتحبك الحبكة لتنتهي نهاية محدّدة أو ما يسمّى بلحظة التّنوير. فالحدث ينشأ بالضرورة من موقف معيّن ويتطوّر إلى نقطة معيّنة يكتمل عندها معنى الحدث1
أ- تداخل الأحداث:
إنّ أقاصيص أحمد الكعبي تعدّ في خطابها القصصيّ حديثة و يتجسّد ذلك في بنية الحدث و خاصّة في أسلوب التّداخل في سرد الأحداث و هو ما يضع المتلقّي في حيرة إزاء الحبكة القصصيّة فالسّارد يقطع التسلسل الزّمنيّ و تتابع السّرد، و هذا لا يعتبر نقيصة بل يحسب للكاتب الذي جعل نصّه يندرج في رؤية حديثة لبناء القصّة القصيرة ومثال ذلك من أقاصيص مجموعته “هنا لندن” قصّة”هديّة اللّه” التي تتداخل فيها الأحداث دون اتّباع نسق زمنيّ مبنيّ على السّببيّة، أو العلاقة العضويّة التي تربط بين الأحداث ومسبّباتها، فالقصّة بدأت بحوار قصير بين جبّار و زوجته موضوعه عتاب و لوم بسبب استغلاله لتعبها ليسكر، فكأنّما الكاتب اختار عدم التركيز على الحدث في ذاته فبدأ بهذا الشّكل، ثمّ أنهاها نهاية مشابهة للبداية فجبّار لم ينقطع عن السّكر، و ما بين البداية و النّهاية أحداث عديدة أهمّها مصادفة الزوجة للصّبي الضائع في السّوق و كلّ الأحداث التالية أصبحت تدور في فلك هذا الحدث.
ب – تبسيط أو هامشيّة الحدث:
في قصّة بعنوان “الفرهود” تبدو الأحداث بسيطة عاديّة مثل: ينتظران/قالها/فتحت/فتح/سافرا/يتحدّثان/أنزل/راح/فتحت/أكل، فهذه الأحداث ليس لها أهميّة تذكر لكنّ القاصّ اختار أن يطوّعها فنيّا فشرف القصّة لم يعد في أهميّة أحداثها بل في صياغتها الفنيّة التي تشدّ القارئ.
فالقاص في مجموعة”هنا لندن” في العديد من أقاصيصه يلتقط الأحداث الهامشيّة التقاطا يبعث فيها روحا جديدة وحياة لا تنقطع ممّا يجعل القارئ منشدّا إلى سريان الأحداث و تتابعها دونما البحث عن عقدة أو تأزّم فالحدث في أقصوصة”الفرهود” يتماهى مع الشخصيتان: نضال و زوجها عبد المحسن، فبساطته لا تخفي مشاعرهما وحالتهما النّفسيّة، فالشّعور صار أهمّ من الحدث بل استبطانا له وتطويعا لجموحه.
غياب الحدث :
عندما نتوقّف عند أقصوصة “أصوات توابيت العاصمة” تباغتنا نزعة وصفيّة قائمة على الجمل الاسميّة أساسا والاستفهام، فخطاب السّرد في هذه القصّة بدا شاحبا إن لمْ يكنْ غائبا تماما. فالحدث بمعناه التّقليدي يغيب فلا نجد عقدة و حبكة ونهاية، بل لنجازف بالقول أنّها تداعيات حرّة أو هو نوع من التّجريب. “فالسرد يتأسس على صيغة مركزية ومجموعة سمات تسمح بوصف العمل بأنه عمل سرديّ و يقتضي السرد التتابعية التي تخضع إما إلى الحبكة أو خط سير السرد مع الزمن في تقدمه إلى الأمام”2 لكنّ ذلك لا يتوفّرفي هذه الأقصوصة بل لأكون أكثر دقّة هذا النصّ، فهل هذا اختيار من القاصّ لتنويع تجربته وإثرائها وإنْ كان على حساب مقتضيات السّرد و آلياته.
خلاصة:
إنّ نصوص أحمد الكعبي في مجموعته القصصيّة “هنا لندن” جاءت على درجة عالية من الحرفيّة الفنّيّة فقد طبعها بطابع الذّات في تجربتها المتجذّرة في تربة عراقيّة بحتة، كما جاءت نصوص المجموعة في غير ما موضع خائضة غمار التّجريب وهو ما منحها رؤية فنيّة سرديّة حديثة، فعوالم السّرد متنوّعة ثريّة وهو ما يدلّ على تنوّع تجارب الذّات الكاتبة التّي تتنقّل بنا بين ما هو واقعيّ قريب من واقعها وبين ما هو رمزي يبعث على التّساؤل في المعنى و الحفر عميقا في النصّ القصصيّ وفي آلياته، ممّا يحفظ للنصوص جدّتها و متعتها فلا تفسد على المتلقّي متعة الاكتشاف و التّأويل، وأزعم أنّ القاصّ أحمد الكعبي في تعامله مع الحدث كان من منطلق رؤية ذاتيّة للأشياء و العالم من حوله فإذا الحدث يتجاوز البناء التّقليدي.
1 يوسف الشاروني، دراسات في القصّة القصيرة،دار طلاس، دمشق،1989، ط1،ص50
2 د.عبد العليم محمد إسماعيل: تقنيات السرد أساس الرحلة/مقال إلكتروني