كلمةالشاعرة ميراي شحادة في الحفل الذي اقامه منتدى شاعر الكورة الخضراء لتكريم د. ياسين الأيوبي في الرابطة الثقافية في طرابلس بتاريخ 27 أيار ( مايو ) 2021 :
-×-×-×-
مساؤكم تبر من حصاد بيادره ومرايا نورٍ من أدراج قصائده.
نحتفي اليومَ به ونلتفُّ حول كعبته لنماجدَ هذا الياسينيّ الأيوبيّ، الرسولَ المتبتّلَ في محراب فلسفته ونتشذّى من بدائع روضته.
تلتقيه فتحملُ قلمَك وتتبعُهُ، تحاورُه فيحملُ قلبَه ويتبعُكَ: إنّه، كما عرفته، منذ عام ونيّف، هذا الثنائيَّ الحائيّ الذي يعمّر في حضنه الوردُ، وتغفو في راحتيه جداول من حنان وحنين؛ فإن مسّت هينماتُه أشرعتَك، أخذك بعيدا بعيدا إلى ما وراء الحجب!
كيف التقيته، كان معجزة من القدر! وأنا الّتي كانت تفتّش في أدراج والدها عن عنوانين الماضي وتخيطُ في ذاكرتها كلَّ معلومة عن شاعرٍ واكبه أو أديب عاصَرَه أوتلميذٍ نهلَ من غديرمعرفته.
وكان اسم الأيوبيّ يدوّي بين تلك الأسماء الكبيرة التي عاصرت وعملت مع عبدالله شحاده، لكنّني لم أفلِحْ بلقياه فقد قيل لي أنّه هاجرمع عائلته إلى الولايات المتحدة الأميركيّة. وإذ في ليلة من ليالي الشعر الصاخب، في 14 شباط 2020، يوم أضرمَت النورَ في منازل عشقها، في حفل ديوان لها عنوانه “منازل العشق”، وأعني طبعاً الشاعرة الصديقة د.يسرى البيطار، لم أكن أدري يومها أن منازلَ عشقي لأبي ستُثبّت ركائزُ بنيانِها وتشدو البلابلُ هازجةً راقصةً في قرميد ذكرياتها.
نعم، إنّه هو، سمعتها تشكر حضورالعلّامة الدكتور ياسين الأيوبي في البترون، حيث عمل مع والدي في ثانويّتها لسنوات طوال…. فرحت أسأل من هو؟! وأين هو! أنا الّتي لم ألمحه من قبل ولم أعرفْه أبدا…
اهتديت بين الحضور آنذاك لشاعر المكمل الصديق الشاعر د.محمود عثمان فأعلمني أنّه في صحبته، ترافقا الدرب من الفيحاء إلى البترون.
وكان اللقاء التاريخيّ حيث التقى عبدالله وياسين وبعد عمر التقت ميراي بالأيّوبيّ! أنا أبكي وهو يدمع لطيب ذكر والدي. وما كان أروع من هذا اللقاء سوى صاحب هذا اللقاء.
كنت بحاجة لهذا الفتيل النورانيّ ليأجج في داخلي العبور بآثار والدي إلى الحياة مجدداً. ولأنّه بكلّ بساطة، كان قد مضى على وفاة شاعر الكورة الخضراء خمسةٌ وثلاثون عاماً… خمسةٌ وثلاثون عاما كانت تزأرُ في طفولتي اليتيمة التي لم تمتلك آنذك سوى أحلامِها الصغيرة جدا لتتكئ عليها…كنت بحاجة إلى أريج روحانيّ من زمن والدي الجميل العابق في كلّي وها هو: قد أمطرتني إيّاه السّماء: إنّه المحتفى به اليوم، الشاعر الدكتور ياسين الأيوبي.
فزيّت صرير أبوابي المخلّعة وهمست في مسامع الزمن: عبدالله شحاده حيّ من جديد. لأنّني وجدت في د.ياسين قيمة علياء أحدّثها عن أبي فيُحدّثني هو أكثر.
وشرعت بمباركته في طبع الآثار الكاملة لوالدي التي كنت أعمل على جمعها وتوثيقها مع تحقيق الأديبة ابتسام غنيمه لها منذ العام 2017. على رغم ازدراء الحالة الإقتصادية وانبلاج جائحة الكورونا فقد كان يومها الدولار على مشارف الألفين ل.ل.يقضّ مضاجعنا، وأنا التي كنت أوفّر في حصّالتي منذ سنوات التكلفة الماديّة لهذا العمل، عزمت المضيّ قدماً في طباعتها و تحقيق أحلام خزامى كانت تنتظر أن يأتيَ الربيع ذات صباح.
وراح د. ياسين يغيثني بأخبار مضمّخة بالمحبة والوفاء عن والدي، ومن مشاتل غيومه، يرويني فكراً وبروقاً ، ففي مهاتفاتي معه، تتكوّم جبال وتفطم بحار ويَغرورق الكلام في خوابي معتّقةٍ بنديّات العبر!
تخليداً لذكرى والدي، أسّست مع أختي وعائلتي الصغيرة في أواخر السنة الماضية منتدى شاعر الكورة الخضراء الثّقافي، ومن باكورة منشوراته، دراسةٌ نقديةٌ شفافة في المجموعة الكاملة لعبدالله شحاده من تأليف د.ياسين الأيوبي، وديوان شعر اعصوصفت فيه لغةُ العشق والوصال.
كم نحن أثرياء جميعُنا بهذه الإصدارات التي تعدّت اليوم العشرة في أقلّ من سنة واحدة: لا تسألوني كيف؟! فأنا حتى الثمالة، انتشيتُ لا بل طرت بكل قلبي وعقلي وفكري إلى سماوات لا يدرك سحرَها إلّا ربُّ السماوات!
أحبّتي، نجتمع اليوم معا لنحتفل بعلم من أعلامنا المجيدة، علمٌ يخفق على صدره الثّناءُ أوسمةً ياسينيّة، وتهتف لصداحه المنابر وتصفّق لوقع أقدامه خشباتُه الوالهات…نعم ستذكر الأمجادُ أمجادك، يا صرح المئة كتاب، في مكتبتك تكوّمت سماوات وسماوات….
إن أنهكت السنون جيادك ، فصهيلها يدوّي أدبا وألقاً من الجزائر إلى بغداد إلى بيروت والشام إلى القاهرة والكويت وعمان، إلى حرم الجامعة اللبنانية ، إلى قلوبنا العطشى لعطاءاتك يا ابنَ البحرِ القائلِ: “سموتُ حتى لم أعد أرى أحداً دوني، تبقى الحصاةُ وأنا أزول….”
لا لن تزولَ، لأنّ حصى مقالعك الفكريّة سرمدية لن تزول!
اسمحوا لي أن أشكر وزارة الثقافة أسرة الرابطة الثقافية بشخص رئيسها الأستاذ رامز فري لاكتناف هذا الحفل في فيحاء العلم والنور، وجزيل الشكر لرسل العطاء، من تطيب خمرتُهم البتول في مشاركتي إحياء هذا التكريم : شكراً ل د.محمود زيادة، د.محمود عثمان، الأديبة أ ضحى الملّ، د.عماد فغالي، وأ. مروان الخطيب ومديرة الاحتفال الأديبة مشلين بطرس . شكراً للفنانين التشكيليّن الأساتذة بسام ملوك وخالد عيط . شكرا لجميع القامات الأدبيّة الحاضرة معنا وجميع الذين تكبّدوا عناء البنزين والطريق من بيروت والشويفات ومن عكاروالبقاع و من ضواحي كلّ لبنان ولكلّ من عطّر وسيعطّر هذا اللقاء من مساعدين ومشرفين ومصوّرين وراعين لمفاجأة هذا الإحتفال ….
اليوم هو 27أيّار، لا أدري ما حاكته لي الأقدار في هذا التاريخ، فنحن لا ندرك مكامن الأشياء واللا محدوديّة للأمكنة والأزمنة….نعبر في هذا الكون وتعبرُ معنا أطياف أخرى تظلّل الطريق و توسم الدرب بقواها الخارقة.
27 أيّار هو ذكرى ميلاد ملاكي الحارس، أمي رحمها الله
27 أيّار 2017 هو تاريخ حفل إطلاق كتابي الأوّل في الأونيسكو: يوم قررت أن أطير
27 أيّار، يا أحبة ، إلاّ يومين هو تاريخ ميلاد د.ياسين، أطال الله في عمره وبارك لنا بعطاءاته الغزيرة الثريّة.
27 أيّار 2020، وقد ذكّرني الفايسبوك بدويّ هذا الحدث وما يعنيه لي من قيامة بعد الممات هو إصدار المجموعة الكاملة لشاعر الكورة الخضراء وcd بصوته احتفيت بها في لقاء مصغّر مع الأصدقاء في مؤسسة شاعر الفيحاء.
وفي 27 أيّار أهديك اليوم يا د.ياسين من منتدى شاعر الكورة الخضراء رزمة حبّ في هذا الفيديو، علّنا نرتفع معك ونسمو إلى ما وراء الحجب. الفيديو من إعداد الصديقة الإعلامية إكمال سيف الدين مشكورة.