فقدت اهلها في حرب تموز2006, وعاشت على ذكراهما ، تشم رائحتهما عند زيارتها لاضرحتهما، وتغسل وجهها بالدموع.
اعوام مضت على رحيلهما بعيدا عن العين، لتمضي الحياة بعدها الى تلاوين اخرى، الصبر عنوانها، والقرية ملعبها، صغيرة كانت مثل الفراشة تحوم حول البيوت الهادئة المستأنسة بناسها الطيبين، تزورهم حين يبزغ الفجر، وكأنها بعفويتها تطمئن عليهم، ثم تسرح من راس الجل الى البيادر ،وتكرج بعدها نحو العين، وتتابع حتى تصل الى الكروم، وهنالك تجالس المطر الذي راح يرّخ في منتصف ايلول، حبات تشبة كرات البلور المشبعة بالتراب، ثم تمشي نحو بئر ميتون.
في احدى الليالي، تناهى الى سمع اهل القرية من وادي عين التين آنين متقطع، ولما خرجوا لتبيان مصدره، صار يتعالى حتى استحال الى بكاء مزق كبد السماء، فارتعبوا وظنوا ان الصبية في خطر، ولما اقتربوا، شاهدوا الدخان يتصاعد فاسرعوا ،وحملوا من الادوات ما تيسر، وراحوايهبطون ،واللهاث يسبقهم، وبعد جهد استطاعوا اطفاء النيران، ووجدوها جالسة على قفاها تمسك بيدها كومة من التراب وهي بالكاد تتنفس.
اندهش الجميع من حالتها، فحملوها والصبية التي اتشحت بالسواد بالكاد تلفظت بعبارة:
لقد مات اهلي مرة ثانية.
فعمدت النسوة الى مساعدتها، وبعد صمت طال حتى الصباح تغير شكلها ،وبدت نضرة الوجه، حتى ان شعرها الليلي الفاحم استطال.
وعندما ابتعدت الحرب، راحت العجائز يسردن بعضا من حكاية الصبية.
وصارت تروى في كل بيت، من قائل انها كانت تشبه الاميرة النائمة، التي ناضل شعبها مائة عام، الى قائل انها استحالت ساحرة، وان شابا احبها وما زال يداوم على زيارة بيتها المهجور. ومنهم من روى انها كانت تأتي في موسم قطاف الزيتون وتساعد الاهالي. ومنهم من اشار الى انها بقيت في القرية مداومة على زيارة ضريحيهما.
بقلم : د. قاسم قاسم.