متحف الخراب
منذ ظهور الكيان الإسرائيلي في الخامس عشر من أيار العام 1948. منذ إنسحاب جنود الإنتداب الإنكليزي. منذ دخول الجيوش العربية السبعة فلسطين. بل منذ قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم181 بنيويورك، الصادر في 29/11/1947، كان العالم كله، يضع الحجر الأساس، ل”متحف الخراب”، في العالم العربي كله.
كانت إسرائيل، هي حجر الأساس. حملته الدولتان: الروسية السوفياتية، والولايات المتحدة الأميركية، “شيلة واحدة”على شرشف الدولة الإنكليزية، برعاية أمم العالم، لتأسيس متحف الخراب، في العالم العربي.
إسرائيل، الوجه الآخر لذبول فلسطين. الوجه الآخر للآلة الغربية، المكلفة بإقامة “متحف الذبول الفلسطيني والخراب العربي”، في عموم العالم العربي كله.
خرج الغرب من الحرب. خرجت جيوشهم، من المدن والساحات والعواصم. ثم لم يلبث أن عاد إلى قلب العالم العربي في جوف حصان طروادة. نزل منه على صدر فلسطين يدشن “متحف الخراب”.
كان لا بد من الإجلاء والترحيل بالقوة، كما يفعل اليوم، في “حي الشيخ جراح”. كان لا بد من شن حرب، على الناس الآمنين. كان لا بد من هدم البيوت وجرف التاريخ والذكريات. كان لا بد من “الأرض النظيفة من الناس”، حتى يقام متحف الخراب، على أرض فلسطين، بعيدا عن أعين الناس، أو تحت أعين الناس.
كانت حروب النكبة، قد أوسعت لبناء “متحف الخراب”: تهجير وترحيل وإجلاء، وتشريد، فإذا فلسطين “نظيفة من أهلها”، وإذا الخراب يعم البلاد.
آلة الحرب الغربية، قادرة على طرد الآمنين. قادرة على طرد المسالمين.
ما أعوز المستوطنين السلاح. ما أعوز الموساد وفرق الموت من الهاغانا السلاح. ولا الخطط والطرق. ولا حتى الطرائق، لطرد الناس من بيوتهم. تماما كما يفعلون اليوم في القدس الشريف.
كانوا يؤسسون لمتحف الخراب، على كل أرض فلسطين.
جرفوا الأحياء. جرفوا المدن. جرفوا القرى. وهجروا بدو النقب. كان عليهم توسعة متحف الخراب.
كانت حروبهم تتناسل من بعضها. كانت جرائمهم تتناسل من بعضها. وكان متحف الخراب الذي أزمعوا إنشاءه، بالتعاضد مع الغرب، يتمدد ويمتد.
لم تكن الحروب التي قدمت على فلسطين أو لأجلها، إلا للمساهمة في توسعة متحف الخراب، إلا لتثبيت متحف الخراب على صدرها.
حروب في حزيران العام 1967. وغزو وحروب وإحتلال لأراضي الفلسطينيين واللبنانيين والسوريين والمصريين، كلها كانت لأجل توسعة متحف الخراب، حيث كان قرار إنشائه، منذ نهاية الحرب.
هل قاد الغرب الحربين العالميتين الأولى والثانية، في بلاد العرب، لأجل تحريرهم من الفرس و الترك. وقف الجنرال هنري غورو في دمشق، ينقل عنه الجنرال جورج كاترو، وقال: “ها قد عدنا يا صلاح الدين!”.
كانت العودة الغربية إلينا، لمحو الشرق من أساسه. لجعله، من البحر إلى النهر، متحفا للخراب. أنزلوا حصان طروادة في فلسطين، ونزلوا من جوفه: إسرائيليين. نعم إسرائيليين..
وسارت الحرب في بلاد العرب تقضم الجبال والسهول والبحار. تقيم متحف الخراب.
غرب يسلب الأرض من جديد، على حصان طروادة، فماذا يفعل الناس بالغزو الجديد.
لا شيء سوى توسعة البلاد لمتحف الخراب.
من أرض الكنانة في مصر العزيزة، حتى لواء الإسكندرون. هكذا يزمعون على جرف فلسطين وسوريا ولبنان، وسيناء. ويهادنون مؤقتا سائر البلدان.
متحف للخراب، تجربة جديدة. ينهض الغرب على حصان طروادة. يلكزه بمهمازه ساعة يشاء. يطالبه بمهامه، في الإخلاء. فيهرع. يطير. يحلق في جميع الأجواء. وحده له السيادة عليها. يدكها دكا: في الجنوب وفي العرقوب. وفي الجولان وفي القامشلي، وفي طرطوس وبانياس و اللاذقية. وفي إنطاكية وفي إدلب. يعيث في البلاد. يهدمها يراكمها، يشكلها، لتوسعة متحف الخراب.
بحرب الجيوش العربية السبعة، في الخامس عشر من أيار العام1948، وضع الغرب حجر الأساس لمتحف الخراب. أدخل حصان طروادة إلى فلسطين.
هاهو اليوم يلكز حصانه الإسرائيلي من جديد. فيطير في البلاد. يهدم غزة والغلاف. يهدم، يراكم الهدم. يوسع متحف الخراب.
بجميع حروبه: بالنكبة والنكسة والإستنزاف والتحرير والعبور وفصل القوات، والقبض على عنق الجولان، وحروب المقاومة وحروب الربيع العربي، وصفقة القرن، وحروب حماس: يقف الغرب، على صهوة جواده الإسرائيلي، يقول قولا واحدا: لتدخل كل بلاد العرب، لا فلسطين وحدها عصر الخراب. لتدخل كل بلاد العرب لا فلسطين وحدها، إلى متحف الخراب!.