( مدونة شهرياد الكلام ) :
الحـــرف الفـلسـطيـنـيــــة إلـــى أيـــــن؟
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايــات رشـا
-×-×-×-×-×
“يللا على البكااارج…يللا على النحاسيات…قررررب قررررب شوف أجمل الأشغال اليدوية إلك، لعيلتك، هدايا…”
كنت صغيرة عندما قالت لي عمتي رحمة الله عليها، التي عاشت قسم من صباها في يافا، عروس فلسطين قبل النكبة اللعينة، أن ركوة القهوة النحاسية تسمى باللهجة الفلسطينية “بكرج” ومجموعها “بكارج”. أنا لا أتقن لهجة بلدي فلسطين ومدينتي يافا بحكم الإحتلال وقهره…لكنني كنت دائما أقول وبرغم أنني أشعر بالجرح لفقداني لهجتي، أن الأمور لا تُقاس باللهجات ولا غيرها فالحس الوطني والإنتماء ينبع من داخل الشخص، من قلبه ووجدانه ومبادئه وأخلاقياته. ينبع من هويته الإنسانية وليس من أي قشور….لكنني، أريد أن أضيف لإنتمائي، لهجتي أيضاً…وستأتي مع الوقت…
حكايتي اليوم ليست عن جرحي الخاص، ليست عن غياب لهجتي وبقاء عشقي وتعلقي بوطني، إنما عن واقع الحرف الفلسطينية وأهلها. هل تواجه خطورة الإندثار؟ هل العدو المحتل يستهدف حرفيينا وحرفنا لكي نفقد هويتنا التراثية؟ للطمس علينا ومحونا نهائياً؟
أسئلة كثيرة أفكر بها وتأتي كموج بحر مدينتي يافا إلي، إلى ذهني وقلبي وكل انفعالاتي…لأعيش مع تساؤلاتي وخوفي من فقدان تراثنا الذي أعشقه…فلا أريد أن أفقده كما فقدت لهجتي…لا أريد…
هذا الموضوع لا يشكل لدي أمراً شخصياً فقط، إنما له بُعداً وأهمية وطنية كبيرة وعميقة إذ إنه يشكل ويرسم ثقافة الشعب والدولة وتراثها، هو الهوية، إنه على مستوى “الوطن” والبقاء…
سنة 2006، حذر رئيس إتحاد الصناعات التقليدية في فلسطين، نادر التميمي، من الإنتهاكات والمصاعب التي يواجهها حرفيي فلسطين وقال أن الحرف الفلسطينية تواجه خطورة الإندثار والإنقراض داخل الأراضي الفلسطينية بسبب الإحتلال. أضاف، أنه منذ سنة 1967 تراجع القطاع التراثي نتيجة المعوقات الضريبية والإدارية من قبل الإحتلال للقضاء على الحرف ولمحاربة الحرفيين بتجارتهم وتسويقهم للمنتجات. كذلك، تطرق إلى أن الأمر ازداد سوءاً مع انتفاضة الأقصى (الأقصا). فقد تم إغلاق عدة ورش حرفية مما اضطر الحرفي أن يحاول كسب عيشه من أعمال أخرى.
اما صناعة الصدفيات والتي هي شهيرة في فلسطين، فعانت من التقلص والتراجع الشديد خاصة بعد فرض الإحتلال ضرائب ورسوم جديدة عليها مما أدى إلى رفع نسب الكلفة وبالتالي غلاء سعرها وإنخفاض نسبة شرائها في الأسواق، عدا المشاكل في القطاع السياحي.
آه، كم كان أبي رحمه الله يحب اقتناء الصدفيات…لا زال لدينا بعضاً منها…
هذا التعامل الإجرامي مع الحرف الفلسطينية والحرفيين كانت نتيجته إقفال معامل عدة وانتقال بعضها إلى الأردن بسبب الحوافز والقوانين الداعمة للصناعات الحرفية والتقليدية في عمَان.
وفي المؤتمر الدولي الأول للسياحة والحرف اليدوية في الرياض، صرّح الأستاذ تميمي أن الصناعات التراثية كالزجاج اليدوي والتطريز (إبرة وخيط)، الخزف، الفخار، الصدف والخشبيات من الزيتون وغيره، تواجه خطورة كبيرة في فلسطين من قبل الإحتلال فهي مهددة بالإنهيار الكامل نظراً للضغوطات والقوانين الجديدة التي يضعها الإحتلال.
محاربة الحرف الفلسطينية والحرفيين له أبعاد خطيرة جداً على الواقع الفلسطيني بالداخل، والمحتل يعي تماماً ما يفعل.
لماذا؟
لأنَ
الصناعات الحرفية واليدوية والتراثية هي من الصناعات الأكثر تصديراً في فلسطين. إن حرفيينا مبدعين في صناعتها ومحترفين. فقد اشتهرت هذه الصناعات الفلسطينية منذ القدم بجودتها وتميزها كذلك هناك نسب مرتفعة بالطلب عليها عربياً وأوروبياً وكذلك في الولايات المتحدة الأميركية مع الجزء اللاتيني والجميل بالذكر، أن دول شرق آسيا الشهيرة بأعمالها اليدوية تهتم بالصناعات الحرفية الفلسطينية وتتابعها وتشتري منها. كل هذا، جعل الإحتلال يقرر ويعمل على محاربة الفلسطيني بتراثياته ورزقه للتضييق عليه وقتله…
الحرف الفلسطينية إلى أين؟؟؟ إلى الإندثار الفلسطيني الكلي إذا بقي الإحتلال وإلى سرقتها “صهيونيا” ونسبها لمحتل الأرض والعرض والكرامة…إلى الناهب الذي لا ولن يتوقف عن نهبه…وحرفيينا؟ لهم الله…
الآن، سأختم حكايتي لكي أقدم لكم حكاية أخرى لاحقاً قبل أن تغيب شمس أيامي وأسلم روحي لخالقها…