رواية ” جيم” للكاتبة الجزائرية سارة النمس ..
كتبت الاعلامية دلال قنديل ياغي :
ألوان أهازيج وشوم بارزة على الجسم تميز الإنتماء للطائفة الأقلوية الأمازيغية في الجزائر التي إختارتها الكاتبة سارة النمس وجها خفيا من وجوه بطلتها الغامضة تتحمس للدفاع عن حقوق القبائل والإنتماء لها دون أن تنتمي لعاداتها القبلية او لمظهرها لتبقي الأسود سيد ألوانها ليحمي عالمها الداخلي كما تقول في فيض من حوارها مع شاب الحافلة الذي ذهله جمالها الأوروبي متذرعاً بإلتقاط مفكرتها التي هوت منها ليجلس قربها وخارج سياق الغموض في شخصيتها يقرران أن تتحول الرحلة الطويلة الى أقصى أركان القبائل في الديار الجزائرية جلسة ممتدة من الإعترافات لشاب معذب لسببه بقتل والدته بسرق أموال علاجها لأجل دفع نفقات عملية تجميل صديقة أسقطته من حساباتها .. وصبية فاضت بسرد أسرار بدت تحفيزية على إيجاد مسوغات تبريرية او عوامل تخفيفية لجريمة قتل والدها وفق إعترافاتها عقب إغتصابه الوحشي المتكرر لها وعشيقته بتكشف يبقى غامضاً في السياق ..
في اللغة الآتية على لسان المغرب العربي سلاسة وقلة عناء وفي الحبكة تعرجات نفسية متعددة بين شيزوفرانيا الوالد التي تعززها رغبة الفتاة بإستيلاد دور والدتها معه بعد وفاتها بالسرطان وحبه لهن حد الخلط بينهن بدءا من إسم الوالدة جنات وإسم الفتاة المشتق منه أصلا جيم حتى التطابق الجمالي بشامة تزين الخد..يبقى دور صديقة الوالد مفصلي لكنه مر عابرا ومعلقاً على تساؤلات بقيت بلا جواب لشريك رحلتها الذي أصبح زوجها قبل طلاق سببه حب من طرف واحد يقابل بصد الجدران المغلقة لجيم لكل راغب بالترقب منها ..
تعرجات كثيرة على توالد العنف وقمع المجتمعات للأقليات الطائفية أو السياسية الذي يؤدي للعنف والقتل ولتفكك الوعي وتعدد الوجوه النفسية الدفينة لتشويه صورة العلاقات الإنسانية مرورواً على ملامح تأسيسية للأسرة وعلاقة الأبوة وسفاح القربى والمثلية الجنسية مشاهد تعبر بين حكايات تتحدى بها جيم شريك الرحلة..
الرواية بعد هذا التسلسل المتماهي مع شخصية جيم تصدمنا بتكشف صاعق بعد عثوره على المفكرة الخضراء في منزلها باسطنبول بعد زواجها الثاني وإصابتها بالسرطان التي تنطوي،على أسطر معاناة والدها منذ فقد زوجته من تحرشات إبنته وقراره الرحيل خيارا للخلاص لكليهما لإنهاء عذابهما المر “لقد دَمرت إبنتي كما دمرتني وكل منا ضحية الآخر.لن تنجو جيم إلا إذا إفترقنا .ولن نجد نهاية لمعاناتنا إلا اذا عاش كل منا بعيداً عن الآخر…….هذه الليلة سأسدل الستار وأنهي مسرحيتها السخيفة فأنا ما عدت المريض المخبول الذي تملأ رأسه بحكاياتها الكاذبة…سأخبرها بأني عائد الى بلادي الى القرية التي جئت منها الى حبيبة تنتظرني في الجنوب أعد لأولد من رحم حبها من الصفر.”
تطبق المفكرة على الأسطر الأخيرة لتبقي الرواية معلقة على سؤال المواجهة بالإتهام والعقاب وعلى ماهية الرواية التي قد لا تكتمل دون خاتمة وتأكيد الثابت بأن الرؤية لا تصفو إلا بسماع الرواية من شخصين .
أكثر من مئتي صفحة عابقة بتقلبات الأحداث والمزاج الصعب على التمرس الحياتي الخفي بالخطط والغايات كالسحر الأسود ترميه العينان الملونتان لجيم على المحيطين بها تدور أحداث الرواية الصادرة عن دار الآداب والتي رشحت لجائزة بوكر للرواية العربية ٢٠٢١…
وما أن نقلب بذهول الصفحة الأخيرة لنعود الى قول كازانتراكيس في مطلع الرواية “إن قلب الإنسان حفرة مليئة بالدم وأولئك الأحباب الذين ماتوا يلقون بأنفسهم على حافة الحفرة وينهلون من الدم، وهكذا يعودون الى الحياة “