وشم الطائر
صفارة واحدة ..إثنتان ..
نغم متكامل قد يكون نداء إستغاثة لإشتعال حريق هكذا تأتي اللغة الخاصة بالتخاطب في قرية هيلين .. يتسلل عالمها الى داخلنا بهمس مجوني فريد يقدس الكائن الحي ويعامل الحيوان والشجر بقداسة كالبشر المؤلهين لعاداتهم المتفانين في خدمة روابطهم بعزلة تحوطها الجبال والطبيعة العذراء قبل أن تعذبها الإنسانية ويدخلها ما سمي بتنظيم الدولة الإسلامية قاطع الرؤوس خاطفاً الأرواح بالمقصلة والسجون والإكراه والقهر وأسر النساء،سبايا بأبشع الوسائل ليباعوا في سوق التجارة بالبشر بعد إغتصاب يمزق الأحشاء وينتهك الأرواح حد الإستسلام لأقدارها..تفرض الشريعة بقوة التهديد بالحرق والمقاصل ويجر الرجال والفتيان للحروب بعد مخيمات لغسل العقول ومسح الروابط والمفاهيم بدءا من الذاكرة البديلة تحت شعارات إلهية الى أن تحمل افلام المقصلة التي عرضت أمام عيني طفلي هيلين وجه الوالد الياس الذي يدعوه مسؤول المخيم بالكافر ويطلب منهما أن ينسيا كل كافر ويقدما على قتله حتى لو كان والدهما.
وسط هذه الفظائع نسلك مع هيلين رحلة العذاب منتصرة في ختامها للحرية لكن باللجؤ الى دولة أجنبية بعد هرب طفليها – الشابين – وعودة إبنتها محررة وخسارات على طرق الحرية المجبولة بالعذابات لا تحصى لأرواح صديقات وأهل وجيرة على درب الذبح والقتل والتدمير في خضم المعارك ..تضعنا دنيا ميخائيل في روايتها وجها لوجه بعيون التنظيم النهمة لطحن كل الكائنات في خدمة نزعته للسيطرة المطلقة بين فردوس الحب ونعيم الحرية في بلدة حليقي الجبلية التي تحتضن الأشجار وعاشقين يتظللان بها هيلين اليزيدية- العراقية وإلياس الصحافي الذي جاء مستكشفاً هذه القرية التي تحوطها الجبال وبات جزءا من أسرتها بعد ان دخل بيوتها حاملا قلماً وورقة لمحو الأمية بدءا من كلمة حب التي كانت اولى كلماته لهيلين على مرأى من المجموعة قبل أن تخضع عائلتها لرغبتها بإختياره عريساً لها ويمضيان الى خالة تضع وشم الطائر على اصبعيهما بدلا من محابس ..للطائر رمزيته لكنه يبقى مقيدا بالظلم والظلام ولا يتفلت منها إلا بمشاهد قليلة في رواية تفيض سرديتها بالقتل والقهر والدم ..
في كندا حيث لجأت بعد تردد في ملء استمارة الأمم في خيمة الناجين من السبايا يخفق القلب الى ماريو على مقعد اللغة العابثة لتفقد اللغة جدواها عندما تخفق القلوب “نظرت الى وشمها وأغمضت عينيها رأت بقعة ضؤ سرعان ما كبرت الى وجه أليف .إبتعد شيئاً فشيئاً حتى إستحال مرة أخرى الى بقعة ضؤ .إنتظرت أن يعود الوجه ثانية ولكنه لم يفعل .مع ذلك منحتها بقعة الضؤ تلك في الظلمة إحساساً خاصاً لا تمنحه صورة مفقود حبيب .حين فتحت عينيها قال ماريو : أغمضي عينيك مرة أخرى .كلما أغمض عيني أرى الماضي قالت هيلين .هل يمكنك ان تري الحاضر وأنت تغمضين عينيك ؟ سألها.أرادت ان تقول بإنها بإغماضة العينين ترى حياتها صوراً مطبوعة في جفنيها وأن ألمها لا يميز بين الماضي والحاضر والمستقبل فهو ألم فحسب .
لا حظ ماريو الدموع في عينيها”.
نغادر بقع الألم ونبقى مسكونين بها مهما طال الزمن الرواية عالم متناغم على وقع الإقتتال والتشرد وفظائع الجرائم التكفيرية وتدمير الأوطان والإستبداد ينمو الحب بالتعاطف الإنساني لتنتصر الضحية على الجلاد بتطويع وسائله ورغباته بالحصول على المال والمخدرات مقابل الحرية ..هكذا حيكت اليوميات بأحزان الضحايامتسللة الينا كقراء مدركين بحزننا الدفين أن بين الأسطر ليس،إبداعاً روائياً أو خيالاً إبداعياً فحسب بل يوميات راقبناها عبر الشاشات ..
الروايةالصادرة عن دار الرافدين للكاتبة دينا ميخائيل رشحت لجائزة بوكر العالمية للرواية العربية ٢٠٢١.
#بقلم الكاتبة دلال قنديل ياغي