كتب يوسف رقة ( رئيس تحرير موقع ” ميزان الزمان ” في بيروت ) :
…في مخيم نهر البارد المخصص للنازحين الفلسطينيين في شمال لبنان جمعية ثقافية اسمها “زاوية رؤية الثقافية ” ومن انشتطها إصدار مجلة ثقافية تنقل الوجه الحضاري والثقافي لشبيبة المخيم خصوصا بعد ان عملت بعض المجموعات على تشويه تلك الصورة لدى الرأي العام اللبناني .
مركز زاوية رؤية خصص أحد أعداد مجلته ليوجه تحية الى شاعر الكوره الخضراء الراحل عبد الله شحادة وفاءً لنضالاته في سبيل حقوق الشعب الفلسطيني عبر الكلمة والموقف .
ما استوقفني في هذا العدد , الملف , هو ذلك التجييش في اعداد الملف واصداره بشكل لائق بحيث شاركت أسرة زاوية رؤية بكامل طاقمها الفني والاعلامي والثقافي في تظهير وانتاج واصدار هذا العدد الخاص والمميز ..
اكثر ما استوقفني خلال تصفحي للملف هو تلك النظرات والكلمات العفوية النابعة من قلوب الشبيبة وزهرات الأرض التي تحمل الأمل رغم المواجع المحيطة في المخيم من جميع الجهات ..واقصد عدم الاكتراث المحلي والعربي والدولي لشعب لا يزال يحمل الايمان في قلبه و بين يديه مفتاح الأمل العودة .
موقع ” ميزان الزمان ” في بيروت , ينقل إلى أصدقاء الموقع بعض ما جاء في العدد الخاص الذي صدر تحية للشاعر اللبناني / العربي , شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة والذي حمل عنوان ” القدس في عيون عبد الله شحادة “:
افتتاحية العدد ( بقلم باسل عبد العال ):
الشاعر والمناضل والإنسان
عبد الله إيليا شحادة
عندما تعرفتُ على الشاعرة الصديقة ميراي شحادة في طرابلس، انتابني شعورٌ خفيٌّ بأنّها مثقلةٌ بالثقافة والفكر والروح التي تحلق خارج القفص، إلى فضاءٍ رحبٍ، هكذا … لم أعرف كيف أخترق العالم في داخلها إلا حين أوغلتُ في ديوانها ” يوم قررتُ أن أطير” وجدت في قصيدتها صوت والداها الخفي في روعة الإحساس الأنثوي في حضرتهِ، حاولتُ أن أسألها مراراً: شاعر الكورة الخضراء الراحل عبد الله شحادة هو والدكِ؟ كم أنتِ مثقلة بأثره، وكم هو حاضرٌ فيكِ حضور الشمس والزنبق، كلها أسئلة كانت تدور بي إلى أن التقينا للمرة الثانية على ما أذكر، وكان لقاءً استثنائيا روحياً ومفتوحاً على نواحي الحياة والشعر، حدثتني الكثير عن والدها الشاعر الراحل والحاضر عبد الله شحادة، وكنتُ سعيداً بهذه القامة الشعرية والفكرية القومية المناضلة في سبيل القضايا العادلة لبنان وفلسطين والعروبة، وحين بدأت بقراء مجموعته الشعرية والقصصية لأول مرة، شعرت بمدى دفاعه المطلق عن الإنسانية الجامعة، ولمع في خاطري ما كان يقولهُ لي أبي كثيراً هو: ” من السهل، ربما، أن تكون كاتباً أو شاعراً، لكن من الصعب أن تكون شاعرا ومناضلاً وانساناً في آن، هكذا كان الشاعر عبد الله شحادة المناضل والشاعر والإنسان في شخصٍ واحدٍ، يقول:
” كلُّنا في الإنسانية سواء طالما الله خلقنا على صورتهِ ومثالهِ.” هذه هي الإنسانية التي كان يُنشد لها الشاعر عبد الله شحادة وما زال ضوء الإنسانية فيه ينتقل ويولد من جديدٍ في ابنته الشاعرة الأصيلة ميراي الشحادة التي لا يختلف فكرها عن فكر أبيها، كيف لا، وهي حاملة شعلتهُ كي تضيء القلوب في عالمنا المظلم.
كما أنّ شعره المجدد في الأعماق، لم يكن هو ابن اللغة الهرمة، بل كان يجدد شبابهُ في شعره، كلما تنقلت بين قصيدةٍ وأخرى تشعر معهُ بنشيده الذي لا يتوقف في حضرة الشباب والروح، يقول:
رسولَ القضاءِ وسيف القدرْ / فداك الشباب ودنيا الوطرْ
أطلُّ على الشرقِ فجراً جديداً / فقدْ جنَّ ليلُ المنى واعتكرْ.
فالسيفُ والشبابُ والفجرُ والمنى، هي اشراقاتٌ واضحةٌ للروح المجددة والمتجددة داخله، يكبر بها ويتجدد معها، إلى أن يبلغَ ولادتهُ من جديد، والغناء على بحر المتقارب الذي يمنحهُ إيقاعاً راقصاً، يجعل دنياهُ فسيحة المعنى ورحبة الفضاء الأبيض، وهي دلالة الروح التي أسلفناها، فالشاعر هنا لا يكفُّ عن زراعة الأمل والتفاؤل فيه، ونتذكر معه مقولة عبد الله ونّوس الشهيرة: إننا محكومون بالأمل، وحين نعيد قراءة الشاعر عبد الله شحادة فعلاً، أننا نحكم معهُ بالأمل، الأمل الذي زرعهُ هو فينا، وبدأ بالتجدد المستمر في كل قصيدةٍ إلى قصيدةٍ أخرى، ويختم:
لقد أنجبتهُ المعالي وحيداً / يُطلُّ على الكونِ مثل القمرْ
فتشدو عُلاهُ القوافي العذارى / ويحدو الخلودُ نشيدَ القدرْ.
الناي والرمل
ولد الشاعر عبدالله شحادة والملقب بشاعر الكورة الخضراء عام ١٩١٠ ميلادي، ترعرع هذا الشاعر العظيم في بلدة كوسبا في الكورة شمالي لبنان، وتلقى علومه الأولى في المدرسة الوطنية، وأتم المرحلة الثانوية في كلية التربية والتعليم، ثم التحق بجامعة القديس يوسف ببيروت وحصل على دبلوم في التاريخ والأدب العربي الكلاسيكي، وحاز على شهادة الدكتوراة وشهادة بروفسور باللغة العربية من جامعة سانت اندروز الكنسية المسكونية في بريطانيا، كان مديرا لعدد من المدارس اللبنانية، ونال العديد من الأوسمة والميداليات تقديرا لعطاءاته، وكان من أبرز مؤسسي الرابطة الأدبية، وأحيا العديد من الاحتفالات الأدبية والاجتماعية، وعايش عبدالله شحادة مرحلة الشعر الحر في لبنان والعالم العربي لذلك نجد في كتاباته هذا النوع الشعري، فشاعر الكورة الخضراء وجد ذاته الشعرية في الشعر الكلاسيكي العمودي الذي تصبغ أبياته بشكل خاص،
لقد حاول الشاعر أن يربِط في قصيدة النَّاي، بين النَّاي والرَّمل، فالنَّاي هي آلة موسيقية تصدر أصوات حزينة وجميلة في أنٍ معاً وبين الرَّمل الذي عُني به المطر الضعيف الخفيف الَّذي يلامسُ الروح ويكونُ على هيئةِ حياة،
فوجه الشبه بينهما هو الهدوء النفسي والاسترخاء والسكينة المنبعثة إلى روح الشَّاعر الرقيقة العذبة الخلابة، فالشاعر كان يقصد بقصيدة الناي التجاذب الشعوري الذي يولد عنده وعند نصفه الآخر عند سماع الناي الحزين الذي كان يصحِّي به أيام الحنين، ويولد لديه مشاعر جديدة كانت قد مضى عليها أيامٍ وسنين، فقال عن النَّاي أنَّه يناجي إلفهُ أي أنه جعله يناجي وليفه والشوق له جعل من دم الجوف كأنه يغلي من شدة الشوق ومن شدة اللهفة والبعد والحرمان بينه وبين وليفه، والناي لم تكن بعينه آلة خشبية فحسب، بل كانت هي مصدر نشوة ورغبة فقد صحَّت فيه الحنين وبات على أطلال العشق واقفًا ويسامر نجواه ويبكي تارةً ويضحك ضحكته الحزينة المشبعة بالعشق تارةً آخري، فكان يبكى حتى منتصف الهزيع والمقصود هنا (بالهزيع) هو الثلث الأخير من الليل حين يناجي المحبوب محبوبه بلهفه ودموع شديدة دون توقف وانقطاع، وللناي صدى وتأثير كبير على ذكريات شاعرنا صاحب الحس المرهف وصاحب الاحاسيس الجياشة وصاحب القلب الحزين المستسلم لأحزان الناي وشوقه الذي قطع أوصال فؤاده لمعشوقه الذي غاب عن ناظريه وكانت صرخة روحه حديث الناي وحديث الليل، وحديث الشوق القاسي الذي لا يميز بين طائفة ودين، وبين مسنٍ وصغير، هذا الشوق من يقدر على هجرانه إلا من لا يمتلك قلبا ولا يقين. …
بقلم: صبحية أحمد الحاج
الوطن في عين عبد الله شحادة
“ليس الوطن بالأرض المحدودة جهاتها بما يجاورها، بل الوطن بالإيمان المتغلغل إلى أعماق الصدور، والمنبعث من الرأس حكمةً، ومن القلب عاصفةً، ومن السواعد قوةً، ومن الإرادة معنى فوق كل معنى…”
الشاعر المعطاء ذو القلب المتيم لحب الوطن. فالوطن ليس بحجمه وحدوده بل بالإيمان به، الشاعر عبد الله شحادة شاعر الكورة الخضراء، بيّن لنا مدى الحب للوطن وكذلك ما مقدار تفاني حبهِ للوطن.
ومن خلال كلام الشاعر فاض في القلب حبٌ للوطن وبسبب المشاعر الموجودة داخل كل حرفٍ كتب فيها جعل من قلب كل انسانٍ محباً للوطن.
فيا لروعة هذا الوطن بهذا الشّعر!
وبفضل رؤيته هذه كان هو دافعي لكي اكتبَ عنه. هو رمزٌ لمحبي الوطن والاوطان وذلك بفضل حبه لفلسطين ودعم قضيتنا إذا هذا هو الشاعر الكبير الذي اعطى الوطن رمزاً نشهد به.
خالد القاضي
إلى شاعر الكورة الخضراء شكرًا
عبد الله شحادة صاحبُ الضحكةِ الغناء بشهادةِ زملائِه والوجهِ الباسمِ والقلبِ الفياضِ المعطاءِ بشهادةِ تلامذتِه. ابن كوسبا الحزينة بعده، كان بهيًا بهاءَ ربيعِها، دافئًا دفءَ كوخِها الأخضر، شامخًا شموخَ الأرزِ، متمسكًا بالوطنِ كشجرِ الليمونِ والزيتونِ يفوحُ عنفوانُه كزهرِ اللوز. وقفَ شاعرُنا وصرخَتْ كلماتُه من أجلِ الحريةِ استهونَ الموتَ في سبيلِ الوطن. دخلَ في غياهبِ السجنِ وقاسى من عذابِه، آلمتهُ فلسفةُ سجانٍ لا يعرفُ سوى قمعَ الكلماتِ، وحبسَ الاحرارِ للنيلِ منهم بالجوعِ والقهرِ،
لكنّه أبى أن يرضخَ للمعتقلِ، رفعَ الصوتَ وجعلَ موسيقى القوافي تقولُ للعالمِ: ” انا ها هنا اعيشُ دون خبزٍ وماءٍ، لكن ما حييتُ دون حرية.” بهذه الكلمات حطَّمَ القيودَ وكسرَ هيبةَ السجنِ والسجانِ، الذي لم يجدْ تهمةً لشاعرِنا سوى قوميتِه وعروبتِه، فكان هذا ذنبَه الأكبر، وبين ثنايا كلماتِه تجد التفاصيلَ تغمضُ عينيكَ فتشعرُ أنّكَ أنت من عاشَ هذه الذكريات، أنت من نطقَ هذه الكلمات تجتاحكَ عاطفةُ الحنينِ فتجده هنا يصفُ كوسبا لتحنّ إليها ثم يصفُ العروبةَ والشموخَ فتشتاقُها ومن ثم تغضبْ مع غضبِهِ في ليالي القاووش وتنقمُ هذه الأمةُ معه وتدمعُ عينيكَ حين تقرأهُ يقول: “لا ترتقي امةٌ تمشي ووجهها يتطلعُ إلى الوراءِ.” استاذُنا الارقى والأجمل نسي نفسَه حين كتبَ كتابًا فيه أهم شعراءِ العربِ ووجّههُ إلى طلابِ البكالوريا، اقولُ إليكَ لماذا نسيتَ نفسكَ وأنت ملكُ القوافي وحافظُ اللغةِ البهيةِ منكَ تعلمتُ كيف أجعلُ من كلماتي سكرةَ حبٍ، ورونقَ وطنٍ، وسيفًا مقاومًا. إلى شاعرِ الكورةِ الخضراء شكرًا على هذا الكم من الإبداعِ والتألقِ، شكرًا على هذا العطاءِ وهذا الرونق.
فرح كركي
عبد الله شحادة والحب الأبوي
في زمن التفكك، يُطل علينا الوفاء.
في زمنٍ أسود، ينبعث مجددا فارس الشعر، الذي حمل لقب شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة. مؤثرا في الكثير والكثير، من خلال المشاعر التي يوصلها من خلال كتاباته المليئة بالمشاعر وخاصة ما كتبه لإبنتهِ ميراي.
إن من أكثر ما جذب الكثير من الناس إليه هو الحب الأبوي الصادق الذي يكنهُ إلى ابنته ميراي التي بقيت تسعى حتى بعد رحيلهِ في أن تعيد لنا كل المشاعر التي نثرها في قلوب الكثير، ولتحية من جديد
وإن من القصائد التي أثرت في العديد من الأشخاص هي التي كتبها لإبنتهِ ميراي وهي: “في ملتقى ميراي.”
الصبح إن بدا
والطير إن شذا
والفجر والندى
يدعوك يا ميراي
عطرت ازهاري
تبتسم الخلود
وتصفق الوجود
وجنت الورود
في ملتقى ميراي
مفردة الصبح تدل على ميلاد ميراي.
الشذا عندما أصبحت ميراي في صباها.
إنها الجنة التي تمثلها حواء اختصرها شاعرنا بالفجر والورود…
انه هو شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة الذي عتق من الشعر قصيدةً رنانة فيها احتضانُ الأب لفلذةِ كبده ميراي، فأثمر بفضل عطائه طفلة في قلب الشعر، شاعرة تنثر الشعر وتبني صرح الأدب على مساحة الكون.
هذا هو الحب الذي لا يمكن أن يضاهيهِ حبُ أحد، حبُ الأب والابنة يبقى ينبض ويشتعل حتى وإن فقد، وهو بيّن لنا مدى عظمته وحبه الجم لإبنتهِ، هذا هو عبد الله شحادة ملكُ الحب والأحساس، قلبٌ صادقٌ في كتاباتهِ ومشاعرهُ تصل إلى أكثر القلوب ونابعة بكل حساسية.
فما أعظم ان يكون هذا هو الحب؟!
جنين القاضي
عبد الله شحادة
فكرت كثيرًا بعنوان يجعل نصي جميلًا، لكن عبثًا لا جدوى كتبت العديد من العناوين واستخدمت كثيرا من المصطلحات والعبارات لكن ايضا لا جدوى فقررت أن أكتب عنوان نصي عبد الله شحادة غريب أليس كذلك؟
حسنًا انه ليس بغريب
سأخبركم بالغرابة، إن للغة العربية ثمانية وعشرون حرفًا لكنهم عجزوا جميعهم عن ايجاد كلمة تعبر عن ابداعه.
حسننا سأخبركم أنى أكره الشعر لكن شعر عبد الله شحادة حول من كلمة (أكره) الى (أحب) نعم استطاع ان يغير تفكيري للأفضل واستطاع ان يجعلني أحب شيئًا كنت ارفضه وبقوة
احببت الشعر لأجل ما قرأت له، لن يفهم من يقرأ الآن ما هو شِعر عبد الله شحادة ان لم يتعرف على بيت شعر من بيوته
سأتوقف الآن لبضع دقائق لأحلق في كتاب عجزت عن مفارقته
حسنًا عدتُ من جديد بعد ما مر اسبوع كامل.
احببت مقطع في قصيدته التي تحمل عنوان “خَفَتَتْ أنغامُ أسرابِ العَنادِل”
كل شيء صامت … الا فؤادي
كل شيء مائت … إلّا وِدادي
فأنا وحدي أغنّي … وأنا وحدي أنوحْ
وحياةُ المرءِ فَوْزٌ … وانكسارٌ وجروحْ
هكذا الروح تقولُ … هكذا القلبُ ينادي
أيها الشّابُّ الجهولُ … إغتنم فصل الجهادِ
لا تَقُلْ ما فاتَ فات ْ…ثمّ تبكيهِ دما
إنّما سرُّ الحياةْ …أن تنالَ المَغْنَما.
جميل أليسَ كذلك؟
نعم، عبد الله الفكرة التي لمعت في عقولنا، تاركًا بصمة ايجابية لا تُمحى مهما مرَ من الزمن
هو المبدع المنجز المتألق في كلماته والشاعر الذي عجز الشعر عن وصفة
هو الذي جعل كلماتي تتسابق مع نفسها لتخرج شاكرةً قلمه وورقته وحروفه وعالمه التي استطاع ان يزرع الامل فينا
ف جفَ حبرُ قلمي ومازال للتكلم عنه الكثير ولقصائده الثناء ولفكرته النجاح والإبداع
ولروحهِ الطاهرة الرحمة والسلام
شهد عثمان
“مرَضُ الشَّاعرَ”
(للشَّاعِر عبد الله شحادة عن قصيدته ” رَعِفَ أَلأَلمُ”)
——
المرضُ منفذًا لا إِرادِيٍّ إلى ذواتِنا
يُجبِرُنا على التَّوغُلِ في العُمقِ
ويحكمُنا به
العتبُ تعبٌ ضدّ النِّسيان
في زمانٍ باتت النَّفسُ خيلاً
ولكنَّ الروحَ غزاها المرضُ
حتَّى لَو إِنتهَضَ أَمامَ النّاس
بقِيَ القلبُ بينَ قلوبِ التَّائِهينَ
أَيا روحُ شاعِرنا تنفَّسي
وابقِ مرفوعةً وتنفَّسي
وقفتُ على منصَّةِ أَحزانِك
نصفُها غريقٌ بمرضِ الرَّبوِ
حزِنت عينايَ من قراءتك
تحدَّثْتَ متأَكِّدًا مِن اقتراب ساعتك
غرقت دموعُ العينِ بكلامِ الغيبِ
اغتالك الرَّدى ولكنْ بقيتَ في الوجعِ ساكنٌ
رَعِفَ الألمُ والاملُ وتلاشىْ
وأنت عالِقٌ بينَ ليلةٍ وضُحاها
فقدتَ أملك مِن زوالِ مرَضك
وتأَكَّدت بأنّ الطِّبَّ عجِزَ عن دفعِهِ
وتمدَّدت لتغمضَ جفنيك مخافةً
باضطِرابِ قلبِك
لماذا اختارك الموت؟!
…جَنانْ عوَض
فلسطينُ في نبضِ شاعرِ الكورةِ الخضراء
عبد الله شحاده
كانت فلسطينُ، ومازالتْ تُشَكِّلُ مساحةً كبيرةً للعديدِ من شُعراءِ العربيَّةِ والعالم، للامتياحِ من شَغافِها وأخضرِها وقداستِها، وللاندغامِ الوجدانيِّ والفكريِّ مع قضيتِها، وأيضاً للاسترسالِ الرؤيويِّ والحَدْسيِّ مع الأحداثِ العاصفاتِ بساحها ودمها!
ولعلَّ الباحثَ في أدبِ فلسطينَ وقضيَّتها، يعثرُ على العديدِ من الأشعارِ البَواهرِ والأواسرِ، في الذي نراهُ ونحسبُهُ مُستَغرِقاً في الإبداعِ الاستشرافيِّ، كما هي الحالُ مع قصيدةِ (جُروحُ فلسطين) التي نزفها الشاعر العراقيُّ مُحَمَّد مهدي الجواهري سنة 1929م، والتي نضحتْ بمدىً لافتٍ وبليغٍ في مجالِ رؤياهُ العميقةِ والمُستنيرة. والأمرَ ذاتَهُ، نراهُ في موضعٍ آخرَ قائماً على رؤيا عميقةٍ لما هو حقٌّ، ولما هو آتٍ حتماً توافقاً مَعَ السُّنَّةِ الكونيَّةِ في الصِّراعِ بينَ الحقِّ والباطل، أو بينَ المُحْتَلِّ الغاصبِ والثائرين عليه، وهذا ما برعَ في تناولِهِ شاعرُ الرَّابطةِ القلميَّة إيليا أبو ماضي في قصيدتهِ (خَطبُ فلسطين)، التي اعتملَ بها قلبُهُ بعد “وعدِ بلفور” الذي مُنحَ بموجبِه اليهودُ وطناً قومياً لهم في فلسطين من قبل المستعمر الإنكليزي على حساب أهل فلسطين وأمتهم!
وإذا قُدِّرَ لنا أن نتناولَ فلسطينَ في شاهدٍ آخرَ، وفي قلبٍ أضناهُ ما ألمَّ بها من عسفٍ وجَورٍ، فإنَّنا نُهْرعُ إلى شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة، والذي أطلَّ على جِراحِ فلسطينَ في أكثرَ من موضعٍ، وفي العديدِ من القصائدِ والأشعار، مُبدياً لنا رؤياهُ التي تنوعتْ في أسلوبها بينَ الإخبارِ والإنشاءِ، وصولاً إلى وَقْدٍ فكريٍّ لامعٍ، ويضعُ فيه شاعرُنا إصبعَهُ على الوجعِ، ويشقُّ بذلكَ السبيلَ القويمةَ إلى البُرءِ الناجزِ والشفاءِ التَّام.
يقول صاحبُنا في قصيدة (أراجيحُ البُطولة) التي نظمها أوائل شهر أيار من عام 1967م:
“فلسطينُ الجريحُ تئنُّ ظُلماً
يُهدهِدُ نعشَها نَدْبٌ ونَحْبُ
وأبناءُ العُروبةِ في تَجَنٍّ
قصائدُ حُبِّهِم مَيْنٌ وكَذبُ
سنُرجِعُ قولَهُم أضغاثَ حُلْمٍ
وآمالٍ يطيشُ لهُنَّ لُبُّ
صلاحُ الدِّينِ في جَدَثٍ توارى
متى أسداً، خليفتُهُ يَهبُّ
متى أسداً، خليفتُهُ يَهبُّ”.!
لا شكَّ في أنَّ شاعرَ وأديبَ الكُورةِ الخضراء، يَتَضَوَّرُ ألماً وَجيعاً على فلسطينَ وأهليها، لِما حلَّ بأرضِها وبَنيها، مِنْ جَورِ الاحتلالِ ووصَبِ الاغتصابِ، ومن هولِ الاقتلاعِ والتَّهجيرِ النَّكيب. لكنَّ المُفْجِعَ الأنقى والهَمَّ الأكبرَ، يكمنُ في استرسالِ العُربِ في النَّدبِ والنَّحبِ، بعيداً عن الفعلِ التغييريِّ الرَّفيعِ، والذي من شأنِهِ أنْ يُعيدَ الأمورَ إلى نِصابِها، فترجعَ فلسطينُ حُرَّةً، وَطَليقةً من أصفادِ وقُيودِ الاحتلالِ والاغتصاب. بل، نرى شاعرَنا الصَّفيَّ، يستغرقُ في رَمي الأنظمةِ العربيَّةِ باللَّفِّ والدَّورانِ، حدَّ الاستغراق في الكذبِ والخِداعِ، وصولاً إلى مَشْهديَّةٍ مأساويَّةٍ، لا يرى لَهَا مِنْ حَلٍّ، سِوى العَودةِ إلى التَّاريخِ الذي هو “سِجِلٌّ لأحداثٍ سياسيَّةٍ” واستنطاقِهِ عنْ رؤيا تُعْيدُ المِياهَ إلى مجاريها، والحُقُوقَ إلى أهليها. وَهُنا، يرجعُ بنا شاعرُنا الرُّؤيويُّ عبد الله شحادة، إلى ما كانَ عليه حالُ فلسطينَ والقدس، زمنَ الاحتلالِ الصَّليبيِّ لها قبلَ ما يقربُ من ألفٍ إلَّا خمسينَ سنة، حيثُ جاءَ المُخَلِّصُ والمُحَرِّرُ صلاحُ الدِّين الأيوبيُّ، فأعادَ إلى الأُمَّةِ فحوى هُويَّتِها، وحقيقةَ وحدتِها، مُقَدِّمةً واجبةً ولازمةً، من أجلِ التَّحريرِ والانتصار…ثُمَّ كانتْ حِطِّينُ، وبعدها الفَجرُ المُبينُ، يَتَعالى شَمُوخاً وبَهِيَّاً في آفاقِها، وفي رُبُوعِ الأُمَّةِ جمعاء وفي قصيدةِ (الشِّباكُ اليَتامى)، التي نُظِمتْ في شَهرِ أيلول من عامِ 1967م، يُحَلِّقُ بنا عبد الله شحادة، مُوَقِّعاً قصيدَهُ وَفْقِ تَرتيليَّةِ بَحرِ البسيط، ذي النَّبرةِ الواثقةِ بِنَفسِها، وَمُبدِياً ما ستصيرُ إليهِ الأمورُ في قابلِ الأيام، وذلكَ في أداءٍ استشرافيٍّ، سيتحققُ ذاتَ يومٍ، مهما استطالتْ السَّنواتُ العِجَافُ الخَدَّاعات، فَيقول:
سَدُّوا علينا سماءَ الحُبِّ أجنحةً
وطائراتُ الأعادي فوقَنا سُحُبُ
فأمطَرَتْنا صواريخاً مُوَجَّهَةً
منها المُرَقَّدُ، قدْ غَصَّتْ بهِ التُّرُبُ
…باسمِ الصَّليبِ قديماً ذلَّلوا وطني
واليومَ عادوا، وحقَّ العربِ قدْ غَصَبُوا
…والحقُّ مُغْشى عليهِ في مَجَالِسِهم
والعَدلُ من ندوةِ الأحرارِ مُنْسَحِبُ
هُمُ الغُزاةُ، وحِقْدُ الغَربِ يدفَعُهُم
والدَّهرُ يُرهِبُ مَنْ يَغزو وَيَغْتَصِبُ”.
هي ذي فِطْنةُ الشَّاعرِ، وحَذَقُ الأديبِ المُثَقَّفِ، أنْ يرى الأحداثَ بِبَصيرةِ المُفَكِّرِ العميقِ في تَجَلِّيهِ السَّابحِ، في الذي هُوَ كائنٌ خلفَ الحَدثِ، وعندَها، يسمو الشِّعرُ فوقَ الإيقاعِ إلى رُبُوعِ الرُّؤيا، فيخلدُ
مَعَ الزَّمنِ، ويصبحُ صاحبُهُ ذا شأنٍ استبصاريٍّ خَلوبٍ وآسر، ما يُعلي أثرَهُ، فيعيشُ بهِ الشَّاعرُ بعدَ موتِهِ حَيواتٍ عديدة…!
والمُدَقِّقُ في الأبياتِ السَّالفةِ، وفي الذي يُعرفُ بِنكسةِ وهزيمةِ حزيران من سَنةِ 1967م، يلحظُ إشارةَ شَاعِرِنا إلى الغَزوةِ الصَّليبيَّةِ لِبلادِنا قبلَ مئاتٍ من السِّنين، والتي انتهتْ إلى اندحارٍ كبيرٍ وهزيمةٍ بليغةٍ، مَعَ الفَجرِ الأيوبيِّ السَّطوع، ما يُلْهِمُنا ويُعَلِّمُنا بأنَّ الاحتلالَ والاغتصابَ، مهما استطالَ زمانُهما، فالزَّوالُ أقربُ إليهما من الدَّيمومةِ والبقاء. ويؤكِّدُ شاعرُ الكُورةِ الخضراء، ابنُ كُوسبا السَّخيَّةِ، على معنىً تاريخيٍّ وسياسيٍّ بليغٍ، وهوَ مُدْرَجٌ في بابِ السُّننِ الكونيَّةِ والإنسانيَّةِ الرَّفيعةِ: هُمُ الغُزاةُ، وحِقْدُ الغَربِ يدفَعُهُم / والدَّهرُ يُرهِبُ مَنْ يَغزو وَيَغْتَصِبُ
إنَّ ما يقومُ بهِ بنو صهيونَ المُغْتَصِبُون، من قتلٍ وتجذير، ومن احتلالٍ وتدمير،
لا يتجاوزُ مُخطَّطاتِ واستراتيجيا الغربِ السياسيَّة، حيثُ كانتْ ولادةُ دولةِ يهود في فلسطينَ، رغبةً غربيَّةً إمبرياليَّةً مُوافِقَةً لرغبةِ الغاصبين، وهذا ما تؤكِّدُهُ الوثائقُ التَّاريخيَّةُ الكثيرة، وذلكَ من أجلِ المحافظةِ على مصالحِهم، ومن أجلِ منعِ الأمَّةِ من أنْ تستعيدَ وحدتَها وهُويَّتَها الحضاريَّة…، لكنَّ الثَّابتَ في أخبارِ التَّاريخِ وأعمارِ الدُّولِ والأُممِ أيضاً، أنَّ ما بُنِيَ على العَسْفِ والظُّلمِ والجَورِ، لا محالةَ ساقطٌ، وآيلٌ إلى الدَّمارِ والاضمحلالِ والاندثار(والدَّهرُ يُرهِبُ مَنْ يَغزو وَيَغْتَصِبُ)…، وعليه، نرى صاحبَنا قدْ أوجزَ لنا في أبياتٍ شِعريَّةٍ قليلةٍ، كمَّاً كبيراً من الحقائقِ الفكريَّةِ التاريخيَّةِ والسياسيَّة. وهذا إنْ دلَّ على شيءٍ، فإنَّما يُشيرُ إلى عَميقِ الرُّؤى عندَ عبد الله شحادة، ما يجعلُ أنساغَ شِعْرهِ عَفيَّةً بالنَّبضِ والحياة، وسَخيَّةً بالدَّيمومةِ والاستمرارِ والبقاء…!
وبعدَ كُلِّ ما تقدَّمَ، أقولُ بالفمِ الملآن، وبالنَّبضِ الرَّيان: عبدَ الله شحادة…ها أنتذا حَيٌّ بيننا، باقٍ فينا، نبضاً، وشِعراً مُترعاً بالحياةِ والرؤيا، ولقدْ صدقتَ حينَ قُلتَ ذاتَ يوم:
سَتَدفِنُني أيدي المَنونِ بِتُربَتي
وَيَبْعَثُني شِعْري، فأحيا اللَّياليا.
مروان الخطيب
ليسَ للشاعرِ إلاّ القصيدة…
إلى الشاعر عبد الله شحاده
في مواساتهِ بالماورائيّاتِ، يصنعها بجوارحهِ، ويحيياها من صميمِ فؤادهِ، يشبعها صفاء صادحاً بطبعهِ الحيويِّ من خلالِ طبيعتهِ الغرّاءِ، من حولهِ، هيَ المعنى إذاً الذي يدلُّ عليهِ..
بجميلِ المفرداتِ التي تأتيهِ منْ شغفِ الوصولِ إلى المنتهى، في نفسِ العاشقِ، هوَ الشّاعرُ الحقيقيُّ لا يكْذِبُ ولا يُكَذِّبُ رؤياهُ،
يمضي بها، يُفضي فيها إلى غيبِ الإحساسِ، ينزفها إيماناً قريرَ العينِ في أبهى قيامةٍ حلّتْ بهِ من أُصولِ مشاعرهِ الخضراءِ،
تُبقيهِ على جوِّ الهواءِ الصَّنَوْبرِ، يعلو ويُدلي بالوجودِ النّديِّ في روحهِ وأنفاسهِ ولواعجهِ النّضيرةِ في مرآى الشّمسِ وقمرِ الحبرِ،
في ليالي المصائرِ منْ شوقهِ إليها الكامنةِ فيهِ حدَّ الخيالِ.
عبد الله شحاده، الشاعرُ الواقفُ وقوفَ الكلامِ على أطرافِ غيمةٍ،
هطلتْ منهُ مساماتُ الصّدى، حتى أبعدِ مشتهى، كانَ نشيدَ الكورةِ
الأخضرِ ما باحتْ نظرتهُ بنسيمِ الليلِ وعبيرِ الياسمينِ بأبياتِ قصيدتهِ المُتيّمِ فيها إلى قلبِ الأنثى الأُولى على الإطلاقِ،
فيهِ الوُجدُ ومنهُ الوعدُ ولهُ العهدُ إلى أبدِ البقاءِ بإنسانيّتهِ العاليةِ النَّجماتِ في سِفْرِ التّكوينِ، هوَ البيانُ منَ الأنينِ إلى المصيرِ إلى الحنينِ إلى وطنِ المتعبينَ بجرحهِ ووجههِ الواضحِ كبلاغتهِ السّمحاءِ في زمنِ الغيابِ،
ليسَ للشّاعرِ إلاً السماءَ ليملؤوها تراباً من هواهُ المستقيمِ،
ليصيرَ جنّةً على الأرضِ من أشجانهِ السّاميةْ.
عبد الفتاح عبد العال
لوحة بريشة علي عبد العال :
..ولم يغب الفن التشكيلي عن العدد , حيث رسم الفنان علي عبد العالم لوحة بورتريه لشاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة .
مقابلة مع ابنة الشاعر ميراي عبد الله شحادة :
..وتضمن العدد ايضا مقابلة مع الشاعرة ميراي عبد الله شحادة حداد ابنة شاعر الكورة الخضراء عبد الله شحادة التي تحدثت عن ذكرى ااراحل الكبير وانشطة المنتدى الثقافي الذي أسسته لمتابعة مسيرة شارع الكورة الخضراء الثقافية .