سمــك البــوري
بقلـم: رشـا بركــات (رايتـش) – حكايات رشا
حكايتي اليوم عن سمك اشتهرت به مدينتي يافا يسمى البوري، فأنا السمكة التي لا تعرف أن تعيش خارج بحرها… لكن تلك الحكاية، تخبىء معها سرد، ستكتشفوه…
لنغوص في عالم البحار ونكتشف سوياً..
اشتهرت مدينتي يافا الفلسطينية العريقة والتي حوَل الاحتلال أجزاء كبيرة منها لما يسمى بتل أبيب، ببحرها ومينائها والصيادين طبعاً عدا عن اشتهارها بالبرتقال. ما أحب أن ألفت إليه اليوم في حكايتي هو نوع من أنواع السمك البحري في يافا، سمك البوري.
سمي سمك البوري بالإنكليزية Mullets وكذلك هناك تسمية أخرى عربياً بالبوري الرمادي وهو من البوريات. هناك حوالي ثمانون نوعاً من سمك البوري وقد تم تصنيف نصف أنواعه بحسب المختصين بهذا الشق، إلى صنفين جعلوهما كأجناس. جنس الليزا (Liza) وجنس آخر تسمَى باسمه المباشر أي البوري (Mugil) . أما النصف الآخر من أنواعه، مقسَم إلى خمسة عشر جنساً وبهذا يكون مجموع أجناس سمك البوري يعادل السبعة عشر جنساً كما حدده المعنيين. وبحسب ما ترونه في الصور المرفقة، يتميز سمك البوري بفم صغير وزعنفتين.
عندما نتكلم عن السمك، فلا بد أن نتحدث عن البحر….آه محمود درويش ما أجملك! “هذا البحر لي”…. أما أنا، فقد تغنيت ببحر مدينتي يافا وقلت: “بحرك يافا خلاني ذوب لحتى أنا صرت يا دوب يا دوب”…. صار قولي هو شعاري الثابت، أردده منذ سنين وآخذه معي أينما ذهبت. لقد خبأته في جعبتي مع كل أشيائي وأموري وحكاياتي….
وهل بحرك يافا مجرد ماء وملح؟؟؟ حدَثيهم يا يافا عن مينائك…لا زلت أسمع صوتك في أذني يا جوزيف عازار تنادي ليافانا: “وسنرجع نرجع يا يافا، يا أيام الصبح بيافا وشراعي في مينا يافا، خبرنا خبر عن يافا”….أتسمح لي أن أخبَرهم أنا عن ميناء يافا؟ أقدم الموانىء في فلسطين وأهم مراكز الملاحة. ترسو السفن وتفرغ شحناتها، استيراد وتصدير، إزدهار اقتصادي عالمي….أما في سنة 1922 فكان عدد السفن الشراعية مائتا سفينة وحمولتها أكثر من 2451 طن. أما السفن البخارية، فكان عددها 147 سفينة ومحمولها يتجاوز 111,184 طن وصولاً إلى سنة 1937 حيث كان عدد السفن التي دخلت على يافا حوالي 1452 سفينة بمحمول يعادل1,198,215 طن و1093 سفينة خرجت من ميناء يافا بمجموع حمولة تعادل 514,158 طن. إضافة إلى جداول أخرى تفصيلية نجدها مدونة في كتب ومراجع المؤرخين الفلسطينيين الكبار، كالأستاذ مصطفى دباغ والخالدي وغيرهم من إصدارات مؤسسة الدراسات الفلسطينية الكريمة. أما ما دونته في كتاب بحثي السردي (التأريخي والمستند الهادف لحفظ حق شعبنا الفلسطيني في أرضه وفضح أكاذيب الإحتلال)، لم أتذوق برتقال جدي، من إصدار دار فواصل اللبنانية المحترمة، فقد كتبت أن ميناء يافا كان يعتبر أحد أقدم الموانىء في العالم حيث كان يخدم السفن منذ أكثر من 4000 عام …أكملت كتابتي بمقاربة ما بين التاريخ القديم والحديث وما بين واقعنا الحالي، زمن الإحتلال المرير، زمن الهبوط وهدم كل تقدم وازدهار وعراقة، أن ميناء مدينتنا يافا العريقة تقلص جداً وأصبح فقط للقوارب السياحية ولخدمة سفن الصيد الصغيرة!
لا، لن أبكي….لأن اليأس هلاك ولأنني سمك البوري الذي لا زال حياً يرفض الإنكسار والإختناق والموت….سمك بحر يافا…
ماذا حل بالصيادين الفلسطينيين اليوم؟؟؟ يتبع في حكايتي الجديدة….