خاص ” ميزان الزمان ” / كتب يوسف رقة :
…من بعيد , تنظر إلى لوحة ” عين من زجاج ” للفنانة التشكيلية رائدة مراد الصلح فترى هلالاً يرسم معالم وجه مكلل بمنديل الخير الأبيض أو ربما منديل الأسى والحزن بحثا عن سلام داخلي تحمله تلك الرمزية في طير الحمام الذي يزين المشهد .
لا شك , ان اللون الأبيض هو الذي اختارته الفنانة ليكون الضوء الذي ملأ ثلث اللوحة تقريبا.
تقترب من اللوحة ( أكليريك/ قياس 90 × 60 ) , وتدقق , فتجد أنّ الوجه يقسم عاموديا إلى قسمين , في اليمين عين تنظر الى محيطها وفي اليسار عين أخرى لكنها مغلقة بالزجاج , وكأننا أمام صرخة كونٍ لا يرى إلا بعين واحدة .
وإذا تأملنا أكثر , نجد محيط العين الأولى طغى عليه اللون الأخضر مما يوحي بريش الطاووس المغرور , أما محيط العين الزجاجية فالأبيض هو الطاغي , وكأننا نريد أن لا ننظر إلى الواقع الرديء ونحتفظ في دواخلنا بالافكار غير السوداوية , لذلك لم تختر الفنانة رائدة اللون الأسود لمحيط العين التي تعيش في الظلام .
ندخل أكثر إلى تفاصيل اللوحة , فيتراءى لنا فوق الأنف على الجبين ( لاعبي شطرنج ربما ) او شخصين في مواجهة بعضهما البعض , وكأن الضمير الإنساني يبحث عن صراع بين قسمي الوجه الواحد , قسم يحمل الخير وقسم يحمل الشر , قسم يحمل الوفاء وقسم يحمل الخيانة , قسم يحمل العطاء والخصوبة وقسم يحمل الجفاف والرعونة ..
أما ما ذكرناه عن ذلك الهلال الأبيض , فما هو إلا دائرة مفرغة تدور وتدور كزوبعة تحمل الآمال أحيانا وتجهضها في كثير من الأحيان .
وتبقى رمزية الحمامة البيضاء , رمزية السلام , وموسيقى لا لغة لها تريد الفنانة أن لا تفقدها إذا طارت , تبقيها في دائرة التحليق لعلها يوما تحتضن بذراعيها ( أجنحتها ) تناقضات الصراع وتسكت تلك الأفعى التي تثرثر كثيرا على شفاه اللوحة .
اللوحة صرخة سلام , صرخة محبة , صرخة صداقة وصرخة ضمير غائب عن الوجه الإنساني للبشر .
( ي. ر. )
قراءة في اللوحة الثانية :
في اللوحة الثانية : ( البحر )
نجد وجها على شكل بلورة زجاجية مضاءة بأزرق بحرٍ يقفُ بين أمواجه إنسانٌ يبتهل برفع يده نحو الأعلى , وكأنه يناجي الكون بين جنته ( القمر البدر الأبيض على اليمين ) , وناره ( الكتلة النارية على يسار الوجه ) .
نتأمل البدر فنجد أنفسنا أمام صورٍ نتخيلها وكأننا نقرأ في فنجان القهوة , كما أعلى البلورة حيث امرأة تجرُّ عربة طفلها وأخرى تحمل مظلة وعمارات شاهقة وكأن الأرض هناك .
الفنانة التشكيلية رائدة أغمضت عيون البلورة بعصبة لتترك لنا حرية التأمل بين أحلام القمر بالحب وجحيم ما يتخبط بالكينونة الانسانية من حقد وجشع وطمع بثروات الأرض .
القمر الأبيض أيضا يشكل عين اللوحة بين ألوان قاتمة , هو عين البحر في كون يبحث عن وجوده .
المشهد بكامله تتأمله تلك المرأة التي رسمتها الفنانة على طرف الوجه البلورة لجهة يسار اسفل اللوحة وكأن الفنانة تريد أن تقول : ” لننتظر ونرى …”
# ما يجمع بين اللوحتين هو تلك العين الغامضة وتلك الدائرة البيضاوية لوجهين مختلفين وان كانا لعملة واحدة تقول : يا لهذا العالم …عجبا منك ايها الانسان على هذا الكوكب ..ابحثوا عن الحب لا عن المال ..
وأقول لمن يريد أن يقرأ أو يتأمل لوحات الفنانة رائدة مراد الصلح :” عليك أن تتأمل كثيرا التفاصيل التي تنثرها , وربما عليك أن تقرأ ماذا يقول العقل الباطني لأي فنان يخط ألوانه وخطوطه بريشة تتصل بالروح والقلب , الإبداع هو في اللاوعي الذي يعيشه الفنان ” .
#.. لوحات وحركة الأعمال المتجددة والتجريبية احيانا للفنانة رائدة مراد الصلح تستأهل التأمل كثيرا …والكلام الكثير الكثير ..
( ي. ر )
شكرا جزيلا أستاذي الكريم Rikkah youssef على هذا الوصف الرائع ….شكرا لهذه الصفحة والقيمين عليها ….