صَهيلُ المَقابر..
في غفلة من شمس أيلول..
يرتجّ في مقلتيّ شوق اللّيالي..
يلثُمُ خدّيّ قطرُ النّدى الآلسكيّ..
تهتزّ بين فِجَاج الرّوح..
أمْوَاجُ كالجبَال..
تُثِيرُ الاندهاش..
وتَنشُرُ الذّهُول..
ثمّ تبدأ الحكاية:
“غاب ظلّ العابرين..
نفذ صبر المحزونين..
تجمّع الزوّار في الشارع الطّويل..
بين قبور السّابقين..
وأوجاع اللّاحقين..
تيقّظت جمجمة..
من فوهة في القبر..
تُولول.. تدَندِنُ..
تغالبُ الصّمت الرّهيب ..
وتسأل العابرين.:
“هل آلمكم غيابنا…
يا من دنّستم ترابنا..؟.”
تقهقه.. تُحملق..
ثمّ تردف بصوتها المتهدّج:
“لي في انتظاركم
ألف قصّة.. وعبرة..
فشيخنا الجليل..
قد ملّ بؤس الانتظار..
وَرَكبُهُ قد هَلّ..
مُثقَلا بفحشكم..
و باقة أهوال..
يتوعّد خصومه.
بالفتنة.. والنّار..
ويُقسم مُزمجرا..
بأغلظ الأيْمان..
أن يَهتكَ أعراضكم..
ويفضح أسراركم..
ويدفن في صدره
ما تيَسّرَ منْ أطماعِكم.”
تلعثم اللّسان..
على وقع رجّة عنيفة..
اهتزّت لها القبور..
وزُلزل المكان..
جَماجمُ مُبعثره..
وَحزمَة أكفان..
مَشاهدُ مُدمّرهْ..
تُصَدّع الكيان..
صَدى الأنين في المزارع..
تقشعرّ له الأبدان.
حَشرجَةُ الصّدور في الشوارع..
تُغالبُ الأحزان..
وفي ليْلنَا الثّقيل..
حُلم بلا ألوان..
ذا رأسُ حيّة رقطاء..
مخضّب بالسّمّ..
وَحُمْرَة الحِنّاء..
يتوعّد القطيع..
بالصّلب.. على تماثيل الطّين..
وأشجَار السّنديان..
وذي.. أرْجُل عَرجَاء..
تنتفضُ من عَجزها..
تتمدّدُ في ظلمة الأجداث..
تصوّبُ أظفارها..
نحو قبّة النّسيان..
وتنْعَتُ الأسُودَ والغِزلان..
بالغدرِ.. . والخِذلان..
وهناك.. في المَدخل الشّرقيّ..
كومٌ من الصّدور.. والعجائز والضّلوع..
تكدّست عليه ..
أسرابُ النّمل.. والغربان..
تمْتَصُّ منْ رَحيقِه…
حامض التّحابُب..
وعِزّة الأوطان..
وتنْعَق مُنْذِرةً..
بتَيَبُّسِ الثّمَار..
وتَآكُل الأغصَان..
ههنا.. على العَمُود الفِقريّ..
من جُمجُمة أحَدِ الميسُورين..
هُدهُدٌ جَريحٌ..
يُسبّحُ بحَمد ريح صَرصَر عَاتيه..
تقتلعُ بشدّة.. عَرش القيُود الآسِره..
وهَطلٍ طوفانِيّ..
تستوي بفيْضِه..
الأوديةُ.. والشّطآنُ والخلجان..
يُطهّرُ المقابر ..
من رِبْقَة الأحقاد..
وعَبث الشّيطان..